للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاحتمال الأول: وهو كونهم غير مخلوقين لخالق, احتمال باطل كما مر معنا في فصل الأدلة الكونية حيث بينا بطلان شبهة أن يكون الخلق جاء بطريق الصدفة، لارتباط المسببات والنتائج بمقدماتها واستحالة صدور أثر بلا مؤثر وفعل بلا فاعل وخلق بلا خالق وتنظيم بلا منظم.

والصدفة لا ينبثق عنها هذا التركيب العجيب في جسم الإنسان ولا هذا التأليف العجيب بين الذكر والأنثى لاستمرار النوع الإنساني.

وأما الاحتمال الثاني: وهوأن يكونوا خلقوا أنفسهم، فهو أشد بطلانًا كما مر معنا في فصل الأدلة الكونية حيث بينا بطلان شبهة أن تكون الطبيعة هي الخالقة، لأن معنى ذلك أن كل شيء خلق نفسه وهذا مستحيل لأنه موجب اجتماع الضدين بنفس الوقت: الوجود والعدم، فيكونوا موجودين معدومين خالقين مخلوقين، وهم لم يزعموا قط أنهم خلقوا أنفسهم، فعجزهم عن خلق السموات والأرض أظهر وأبين لقوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاس} ١

وقد نبه سبحانه وتعالى المشركين إلى حقيقة أنهم لم يخلقوا أنفسهم بقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ, أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ٢ فلم يجيبوا بنعم لعلمهم عجزهم وقصورهم التام عن ذلك، ولتمنيهم أن تكون النطفة ذكرًا فلا يأتي، وكراهتهم الأنثى فتأتي بغير إرادتهم.

وعليه فلم يبق إلا الاحتمال الثالث وهو كونهم مخلوقين لخالق واحد وهو الله رب العالمين، فيجب إذن إفراده بالألوهية وإخلاص العبادة له، ولذلك يقول في نهاية آيات سورة الطور: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ٣، فهذا إنكار


١ سورة غافر آية ٥٧.
٢ سورة الواقعة آية ٥٨-٥٩.
٣ سورة الطور آية ٤٣.

<<  <   >  >>