للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هاجرت جماعات جرمانية من وسط أوروبا إلى شرقها، بل ساعدت عوامل مختلفة على انصهارهم في بوتقة واحدة مع السكان الأقدمين. لقد احتفظت القبائل الوافدة فترة من الزمن بالبداوة، إذ نزلوا في مناطق خاصة بهم، عاشوا في فخر الغزاة المحاربين ذوي الرواتب. كان عمر بن الخطاب قد حرم عليهم امتلاك الأرض، فأقاموا في معسكرات خاصة بهم أبقت لهم شخصيتهم متميزة وصقلت لغتهم على نحو قضى على كثير من الفروق المحلية غير الشائعة، وظلت لهم رواتبهم باعتبارهم طبقة عسكرية فاتحة حتى انتهى العصر الأموي.

ودفعت عدة عوامل السكان الأصليين إلى تعلم العربية، فهي لغة الدين ولغة القرآن، وهي منذ حوالي ٨٧هـ اللغة الرسمية للدولة، وهي لغة الطبقة العربية الحاكمة، وكل هذا جعل الطامحين في مكانة اجتماعية رفيعة أو في التعامل والتكامل في الدولة الإسلامية يحاولون تعلم العربية. وفي القرن الثاني الهجري زاد الاختلاط بين العرب والسكان الأصليين في مصر، إذ سمح للعرب الوافدين بامتلاك الأرض، وفي هذا يقول المقريزي: "ولم ينتشر الإسلام في قرى مصر إلا بعد المائة من تاريخ الهجرة". وهنا نسجل اتجاه كثير من العرب –في وقت كانت مكانة العربية قد استقرت فيه– إلى الاستقرار في الريف، وهذا ما أتاح مزيدًا من التعريب ونشر الدين خارج مراكز الثقل في المدن والتجمعات العسكرية.

ولا نكاد نمضي طويلا حتى نصل في خلافة المعتصم العباسي "٢١٨ – ٢٢٧هـ" إلى نقطة تحول مهمة في وضع العرب في مصر، لقد انتقل الحكم إلى العباسيين اعتمادًا على العناصر غير البدوية، فتكون الجيش الاسلامي من غير البدو، وهنا فقد العرب وظيفتهم كطبقة عسكرية في مصر، ولم تعد لهم أهمية بالنسبة للدولة، فحرم البدو من رواتب الدولة التي كانت تؤدي إليهم باعتبارهم جنودًا١. وفي هذا يقول المقريزي: "فانقرضت دولة العرب


١ انظر مقدمة عبد المجيد عابدين لتحقيق كتاب المقريزي ص١٠٤.

<<  <   >  >>