للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من مصر، وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم". وأدى هذا الموقف الجديد إلى توطين كثير من البدو المسرحين في الريف فأسهموا في تعريب الريف، ورفض بعضهم احتراف الزراعة وفضل الهجرة جنوبًا إلى منطقة تشاد -وهو ما نشير إليه فيما بعد. وهاجر بعض هؤلاء الوافدين إلى الجنوب الشرقي لصعيد مصر. وكانت قبائل ربيعة قد نزلت أرض مصر في العصر الطولوني، ثم هجرتهم الدولة جنوبا لوقف إغارات البجة الذين كانوا يتحكمون في المنطقة ويرهبون الحجاج، وما أن قتلوا حاكم فقط -على البحر الأحمر- ومن معه من الحجاج حتى دفعت الدولة قبائل ربيعة لكبح جماح البجة، فقاوموهم، ثم تزوجوا منهم واستولوا على معدن الذهب بالعلاقي، فكثرت أموالهم واتسعوا في أحوالهم". وعن هذا التزواج بين البجة وربيعة نجمت أسرة "أولاد الكنز" نسبة إلى جدهم صاحب النفوذ في العصر الفاطمي الملقب بكنز الدولة، وظل الكنوز أصحاب نفوذ في جنوب مصر حتى قضى العادل أبو بكر بن أيوب عليهم سنة ٥٧٠هـ،١ وبذلك أسهم تهجير ربيعة واختلاطها بالبجة في تعريب هذا القطاع البشري بين الوادي والبحر الأحمر.

وقد ظلت منطقة النوبة بعيدة عن موجات تعريب مصر، ولهذا تفسير تاريخي واضح المعالم، فقد عرف النوبيون في فجر الفتح الإسلامي مملكة نوبية متحدة عاصمتها دنقلة "تنطق: دنجلة بجيم مصرية"، ومملكة علوه وعاصمتها سوبه. وظل النوبيون وثنيين حتى القرن السادس الميلادي عندما انتشرت المسيحية بين النوبة والبجة. ولم تتجاوز الجيوش العربية الفاتحة حدود مملكة النوبة، بل وقفت دونها وارتبطت النوبة مع مسلمي الشمال بمعاهدة عقدت سنة ٦٥١هـ عرفت باسم البقط "عن الكلمة اللاتينية Pactum وتعنى التعاهد أو الحلف" وقد نصت هذه الاتفاقية على عدم إقامة العرب في النوبة مقابل التزامات أخرى يلتزم بها النوبيون٢، والملاحظ هنا أن البقط منع إقامة


١ المقريزي: ٤٤.
٢ انظر كتاب مصطفى مسعد "الإسلام والنوبة" وكذلك: المقريزي في المواعظ والاعتبار "بولاق" ١/ ٢٠٠، والبلاذري في: فتوح البلدان "نشرة دي خويه، ليدن ١٨٦٦" ص ٣٩٦، والمسعودي في: التنبيه والإشراف "نشرة ذي خوبيه ليدن ١٨٩٧" ص ٣٢٩- ٣٣٠. والنص عند المقريزي: "على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه، وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه".

<<  <   >  >>