للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا وتوجد في المنطقة الممتدة من تمبكتوا إلى كانم وواداي إلى غرب السودان تجمعات بشرية كثيرة تتحدث العربية كلغة أم أو تستخدم العربية كلغة تداول، وليست لدينا دراسات تفصيلية عن الحياة اللغوية لهذه الجماعات الأثنية، غير أننا نستطيع -اعتمادا على ما جاء في كتب الرحالة العرب في العصور الوسطى وبعض الرحالة الأوروبيين في العصر الحديث- أن نعرف بعض هذه الجماعات العربية في قلب إفريقيا، وترسم المصادر الصورة التالية العربية هناك:

١- منطقة تشاد بها حوالي مليون عربي، وهؤلاء العرب مرتبطون بعرب الشرق الإفريقي، فهم ينتمون إلى بطون جهينة، وهم بذلك امتداد لبطون جهينة في السودان، وأكثرهم يعيش إلى الآن حياة بدوية قبلية. وأقدم إشارة إليهم نجدها في كتاب المسالك والممالك للبكري "ت ٤٨٧- ١٠٩٤". "ويزعمون أن هنالك قومًا من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم بالعباسيين وهم على زي العرب وأحوالها"١. وهذه العبارة عرفها الباحث كامفماير ولم يستطع تفسيرها وإن سلم عن حس صادق بإمكان كونها تعبيرًا عن حقيقة تاريخية، والواقع أن تفسير هذه العبارة مرتبط بتاريخ القبائل العربية في مصر وصدام هذه القبائل مع العباسيين الذين حرموا هؤلاء البدو من مكانتهم كطبقة عسكرية لها رواتبها الدائمة. لقد اصطدم هؤلاء مع السلطة العباسية فكان عليهم إما التحول إلى احتراف الزراعة وإما الرحيل، فتحركت بطون منهم إلى الجنوب. وها نحن نجدهم في القرن الحادي عشر لا يزالون محتفظين في ذاكرتهم بولائهم للبيت الأموي وبلغتهم وبنمط حياتهم. ويبدو أن عرب جذام الذين دخلوا مصر مع الفتح الإسلامي كانوا من هؤلاء العرب، فلدينا في صبح


١ انظر: أبو عبيد البكري: المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب، وهو جزء من كتاب المسالك الممالك، نشره:
De Slane, Description de L'afrique septentrionale, Alger, ١٨٥٧.
وأعاد طبعه بالتصوير قاسم الرجب، بغداد ١٩٦٨.

<<  <   >  >>