للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

د- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أُنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة، ثم أُنزل نُجومًا"١.

٢- المذهب الثاني: وهو الذي رُوِيَ عن الشعبي٢: أن المراد بنزول القرآن في الآيات الثلاث ابتداء نزوله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ابتدأ نزوله في ليلة القدر في شهر رمضان، وهي الليلة المباركة، ثم تتابع نزوله بعد ذلك متدرجًا مع الوقائع والأحداث في قرابة ثلاث وعشرين سنة، فليس للقرآن سوى نزول واحد هو نزوله مُنَجَّمًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن هذا هو الذي جاء به القرآن: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} ٣, وجادل فيه المشركون الذين نُقِلَ إليهم نزول الكتب السماوية السابقة جملة واحدة: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً, وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} ٤. ولا يظهر للبشر مزية لشهر رمضان وليلة القدر التي هي الليلة المباركة إلا إذا كان المراد بالآيات الثلاث نزول القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا يوافق ما جاء في قوله تعالى بغزوة بدر: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ٥. وقد كانت غزوة بدر في رمضان. ويؤيد هذا ما عليه المحققون في حديث بدء الوحي، عن عائشة قالت: "أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء فكان يأتي حِراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة -رضي الله عنها- فتزوده لمثلها، حتى فاجأه الحق وهو في غار حِراء. فجاءه المَلَكُ فيه فقال: اقرأ، قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "فقلت: ما أنا بقارئ


١ رواه الطبراني.
٢ الشعبي: هو عامر بن شراحبيل، من كبار التابعين -وأكبر شيوخ أبي حنيفة- كان إمامًا في الحديث والفقة، وتوفي سنة ١٠٩ هجرية.
٣ الإسراء: ١٠٦.
٤ الفرقان: ٣٢، ٣٣.
٥ الأنفال: ٤١.

<<  <   >  >>