للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخذني فغطَّنِي حتى بلغ مني الجَهْد ثم أرسلني" فقال: اقرأ، فقلت: "ما أنا بقارئ، فغَطَّنِي الثانية حتى بلغ مني الجَهْد ثم أرسلني" فقال: اقرأ، فقلت: "ما أنا بقارئ، فغَطَّنِي الثالثة حتى بلغ مني الجَهْد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} .. حتى بلغ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} " ١. فإن المحققين من الشراح على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نُبِئ أولًا بالرؤيا في شهر مولده شهر ربيع الأول، ثم كانت مدتها ستة أشهر، ثم أُوِحي إليه يقظة في شهر رمضان بـ "اقرأ" وبهذا تتآزر النصوص على معنًى واحد.

٣- وهناك مذهب ثالث: يرى أن القرآن أُنزل إلى السماء الدنيا في ثلاث وعشرين ليلة قدر٢ في كل ليلة منها ما يُقَدِّرُ الله إنزاله في كل السنة، وهذا القدر الذي ينزل في ليلة القدر إلى السماء الدنيا لسنة كاملة ينزل بعد ذلك مُنَجَّمًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جميع السنة.

وهذا المذهب اجتهاد من بعض المفسرين، ولا دليل عليه.

أما المذهب الثاني الذي رُوِيَ عن الشعبي فأدلته -مع صحتها والتسليم بها- لا تتعارض مع المذهب الأول الذي رُوِيَ عن ابن عباس. فيكون نزول القرآن جملة وابتداء نزوله مفرقًا في ليلة القدر من شهر رمضان، وهي الليلة المباركة.

فالراجح أن القرآن الكريم له تنزلان:

الأول: نزوله جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة من السماء الدنيا.

والثاني: نزوله من السماء الدنيا إلى الأرض مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة.

وقد نقل القرطبي عن مقاتل بن حيان حكاية الإجماع على نزول القرآن جملة واحدة من اللَّوْحِ المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا. ونفى ابن عباس التعارض بين الآيات الثلاث في نزول القرآن والواقع العملي في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة بغير شهر رمضان: عن ابن عباس:


١ رواه البخاري ومسلم وغيرهما [والآيات من سورة العلق: ١-٥] .
٢ أو عشرين، أو خمس وعشرين ليلة قدر، بناء على الخلاف السابق في مدة إقامته بمكة.

<<  <   >  >>