للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} ١.

فهذه الآيات ناطقة بأن القرآن الكريم كلام الله بألفاظه العربية، وأن جبريل نزل به على قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن هذا النزول غير النزول الأول إلى سماء الدنيا, فالمراد به نزوله مُنَجَّمًا، ويدل التعبير بلفظ التنزيل دون الإنزال على أن المقصود النزول على سبيل التدرج والتنجيم، فإن علماء اللغة يُفَرِّقون بين الإنزال والتنزيل، فالتنزيل لما نزل مفرقًا، والإنزال أعم٢.

وقد نزل القرآن مُنَجَّمًا في ثلاث وعشرين سنة منها ثلاث عشرة بمكة على الرأي الراجح، وعشر بالمدينة، وجاء التصريح بنزوله مفرَّقًا في قوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} ٣, أي جعلنا نزوله مفرقًا كي تقرأه على الناس على مهل وتثبت، ونزَّلناه تنزيلًا بحسب الوقائع والأحداث.

أما الكتب السماوية الأخرى -كالتوراة والإنجيل والزبور- فكان نزولها جملة، ولم تنزل مفرقة، يدل على هذا قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} ٤, فهذه الآية دليل على أن الكتب السماوية السابقة نزلت جملة، وهو ما عليه جمهور العلماء، ولو كان نزولها مفرقًا لما كان هناك ما يدعو الكفار إلى التعجب من نزول القرآن مُنَجَّمًا، فمعنى قولهم: {لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} : هَلَّا أُنزل عليه القرآن دفعة واحدة كسائر الكتب؟ وماله أُنزل على التَّنْجِيمِ؟ ولم أُنزل مفرقًا؟ ولم يرد الله عليهم بأن هذه سُنته في إنزال الكتب السماوية كلها كما رد عليهم في قولهم: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} ٥, بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ


١ البقرة: ٩٧.
٢ انظر: مفردات الراغب.
٣ الإسراء: ١٠٦.
٤ الفرقان: ٣٢.
٥ الفرقان: ٧.

<<  <   >  >>