ثم كان القرن الثالث الهجري فجاد رسم المصحف وتحسن، وتنافس الناس في اختيار الخطوط الجميلة وابتكار العلامات المميِّزة، فجعلوا للحرف المشدد علامة كالقوس، ولألف الوصل جرة فوقها أو تحتها أو وسطها. على حسب ما قبلها من فتحة أو كسرة أو ضمة.
ثم تدرج الناس بعد ذلك في وضع أسماء السور وعدد الآيات، والرموز التي تشير إلى رءوس الآي، وعلامات الوقف اللازم "م" والممنوع "لا" والجائز جوازًا مستوى الطرفين "ج" والجائز مع كون الوصل أولى "صلي" والجائز مع كون الوقف أولى "قلي" وتعانق الوقف بحيث إذا وقف على أحد الموضعين لا يصح الوقف على الآخر " " والتجزئة، والتحزيب، إلى غير ذلك من وجوه التحسين.
وكان العلماء في بداية الأمر يكرهون ذلك خوفًا من وقوع زيادة في القرآن مستندين إلى قول ابن مسعود:"جرِّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء"، ويفرِّق بعضهم بين النقط الجائز. والأعشار والفواتح التي لا تجوز. قال الحليمي:"تُكره كتابة الأعشار والأخماس، وأسماء السور وعدد الآيات فيه لقول ابن مسعود: "جرِّدوا القرآن" وأما النقط فيجوز، لأنه ليس له صورة فيتوَّهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنًا. وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها".
ثم انتهى الأمر في ذلك إلى الإباحة والاستحباب، أخرج ابن أبي داود عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا:"لا بأس بنقط المصاحف"، وأخرج عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أنه قال: "لا بأس بشكله"، وقال النووي:"نقط المصحف وشكله مستحب لأنه صيانة له من اللحن والتحريف"١.
وقد وصلت العناية بتحسين رسم المصحف اليوم ذروتها في الخط العربي.