للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن عجب أن يذهب بعض النحاة بعد ذلك إلى تخطئة القراءة الصحيحة التي تتوافر فيها تلك الضوابط لمجرد مخالفتها لقواعدهم النحوية التي يقيسون عليها صحة اللغة، فإنه ينبغي أن نجعل القراءة الصحيحة, حَكَمًا على القواعد اللغوية والنحوية. لا أن نجعل هذه القواعد حَكَمًا على القرآن. إذ القرآن هو المصدر الأول الأصيل لاقتباس قواعد اللغة، والقرآن يعتمد على صحة النقل والرواية فيما استند إليه القُرَّاء. على أي وجه من وجوه اللغة. قال ابن الجزري معلقًا على الشرط الأول من ضوابط القراءة الصحيحة: "فقولنا, في الضابط: "ولو بوجه" نريد به وجهًا من وجوه النحو، وسواء أكان أفصح أم فصيحًا، مُجْمَعًا عليه أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم، والركن الأقوم، وكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يُعْتَبر إنكارهم، كإسكان "بارئكم" و"يأمركم" وخفض: "والأرحام" ونصب "ليجزي قومًا". والفصل بين المضافين في: "قتل أولادهم شركائهم" وغير ذلك١".

وقال أبو عمرو الداني: "وأئمة القرَّاء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، وإذا ثبتت الرواية لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة، لأن القراءة سُنَّة متبعة، يلزم قبولها والمصير إليها".

وعن زيد بن ثابت قال: "القراءة سُنَّة متبعة"٢. قال البيهقي: "أراد أن اتباع من قبلنا في الحروف سُنَّة متبعة، لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة، وإن كان غير ذلك سائغًا في اللغة".


١ انظر "الإتقان" جـ١ ص٧٥, وراجع كتب التفسير في هذه الآيات: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: ١] , {لِِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: ١٤] , {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: ١٣٧] .
٢ أخرجه سعيد بن منصور في سننه.

<<  <   >  >>