للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلق على المقيد من غير دليل، فلا تُجزئ الرقبة الكافرة في كفارة الظِّهار واليمين، وقال آخرون -وهو مذهب الأحناف- لا يُحمل المطلق على المقيد إلا بدليل، فيجوز إعتاق الكافرة في كفارة الظِّهار واليمين.

وحُجة أصحاب الرأي الأول أن كلام الله تعالى متحد في ذاته، لا تعدد فيه فإذا نص على اشتراط الإيمان في كفارة القتل، كان ذلك تنصيصًا على اشتراطه في كفارة الظِّهار، ولهذا حُمِل قوله تعالى: {وَالذَّاكِرَاتِ} على قوله في أول الآية: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً} ١, من غير دليل خارج، أي: والذاكرات الله كثيرًا، والعرب من مذهبها استحباب الإطلاق اكتفاء بالقيد وطلبًا للإيجاز والاختصار. وقد قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ٢, والمراد: "عن اليمين قعيد"، ولكن حُذِف لدلالة الثاني عليه٣.

وأما حُجة أصحاب أبي حنيفة فإنهم قالوا: إن حمل {وَالذَّاكِرَِاتِ} على: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرا} جاء بدليل. ودليله أن قوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرا} ولا استقلال له بنفسه، فوجب رده إلى ما هو معطوف عليه ومشارك له في حكمه، ومثله العطف في قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} وإذا امتنع التقيد من غير دليل، فلا بد من دليل، ولا نص من كتاب أو سُنة يدل على ذلك. والقياس يلزم منه رفع ما اقتضاه المطلق من الخروج عن العهدة بأي شيء كان، مما هو داخل تحت اللفظ المطلق، فيكون نسخًا، ونسخ النص لا يكون بالقياس.

ويُجاب عن ذلك من أصحاب الرأي الأول بأننا لا نُسلِّم أنه يلزم من قياس المطلق على المقيد نسخ النص المطلق، بل تقييده ببعض مسمياته، فتُقيَّد "الرقبة" بأن تكون مؤمنة، فيكون الإيمان شرطًا في الخروج عن العهدة.

كما أنكم تشترطون فيها صفة السلامة ولم يدل على ذلك نص من كتاب أو سُنة.


١ الأحزاب: ٣٥.
٢ سورة ق: ١٧.
٣ انظر "الأحكام" للآمدي جـ٣ ص٥, و"البرهان" للزركشي، جـ٢ ص١٦.

<<  <   >  >>