للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنه ليعلو وما يُعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} ١.

وحيثما قلَّب الإنسان نظره في القرآن وجد أسرارًا من الإعجاز اللغوي.

يجد ذلك في نظامه الصوتي البديع بجرس حروفه، حين يسمع حركاتها وسكناتها، ومدَّاتها وغُنَّائها، وفواصلها ومقاطعها، فلا تمل أذنه السماع، بل لا تفتأ تطلب منه المزيد.

ويجد ذلك في ألفاظه التي تفي بحق كل معنى في موضعه، لا ينبو منها لفظ يقال إنه زائد، ولا يعثر الباحث على موضع يقول إنه يحتاج إلى إثبات لفظ ناقص.

ويجد ذلك في ضروب الخطاب التي يتقارب فيها أصناف الناس في الفهم بما تطيقه عقولهم، فيراها كل واحد منهم مقدرة على مقياس عقله ووفق حاجته، من العامة والخاصة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ٢.

ويجد ذلك في إقناع العقل وإمتاع العاطفة، بما يفي بحاجة النفس البشرية تفكيرًا ووجدانًا في تكافؤ واتزان، فلا تطغى قوة التفكير على قوة الوجدان، ولا قوة الوجدان على قوة التفكير.

وهكذا حيثما قلَّب النظر قامت أمامه حجة القرآن في التحدي والإعجاز٣.

قال القاضي أبو بكر الباقلاني٤: "والذي يشتمل عليه بديع نظمه


١ أخرجه الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل – [والآية من سورة المدثر: ١١] .
٢ القمر: ١٧.
٣ راجع الإعجاز اللغوي في "النبأ العظيم" بتوسع.
٤ هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني صاحب كتاب "إعجاز القرآن" وكتاب "التقريب والإرشاد" في أصول الفقه، توفي سنة ٤٠٣ هجرية.

<<  <   >  >>