للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستلزمة لمدلولها بنفسها من غير احتياج إلى اندراجها تحت قضية كلية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الرد على المنطقيين": "وما يذكره النُّظار من الأدلة القياسية التي يسمونها براهين على إثبات الصانع سبحانه وتعالى لا يدل شيء منها على عينه، وإنما يدل على أمر مطلق كلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، فإنَّا إذا قلنا: هذا محدث، وكل محدث فلا بد له من محدث، أو ممكن، والممكن لا بد له من واجب، إنما يدل هذا على محدث مطلق، أو واجب مطلق.. لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه".. وقال: "فبرهانهم لا يدل على شيء معين بخصوصه، لا واجب الوجود ولا غيره، وإنما يدل على أمر كلي، والكلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، وواجب الوجود يمنع العلم به من وقوع الشركة فيه, ومن لم يتصور ما يمنع الشركة فيه لم يكن قد أعرف الله"، وقال: "وهذا بخلاف ما يذكر الله من الآيات في كتابه, كقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ١، وقوله: {فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ٢، {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ٣, وغير ذلك، فإنه يدل على المعين كالشمس التي هي آية النهار.. وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} ٤, فالآيات تدل على نفس الخالق سبحانه لا على قدر مشترك بينه وبين غيره، فإن كل ما سواه مفتقر إليه نفسه، فيلزم من وجوده وجود عين الخالق نفسه".

فأدلة الله على توحيده وما أخبر به من المعاد, وما نصبه من البراهين لصدق رسله لا تفتقر إلى قياس شمولي أو تمثيلي، بل هي مستلزمة لمدلولها عينًا،


١ البقرة: ١٦٤.
٢ الرعد: ٤.
٣ يونس: ٢٤، وسور أخرى.
٤ الإسراء: ١٢.

<<  <   >  >>