للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وترجمة التفسير تكون ضرورة بقدر الحاجة إلى إبلاغ دعوة الإسلام إلى الشعوب غير الإسلامية، قال الحافظ ابن حجر: "فمن دخل الإسلام أو أراد الدخول فيه فقرئ عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يُعرَّب له لتعريف أحكامه. أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه"١.

ولقد كان المسلمون فيما سَلَف يقتحمون للسيادة كل وعر ويركبون لإظهار دين الله كل خطر، ويلبسون من برود البطولة والعدل وكرم الأخلاق ما يملأ عيون مخالفيهم مهابة وإكبارًا، وكانت اللغة العربية تجر رداءها أينما رفعوا رايتهم، وتنتشر في كل واد وطئته أقدامهم، فلم يشعروا في دعوتهم إلى الإسلام بالحاجة إلى نقل معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية، وربما كان عدم نقلها إلى غير العربية وهم في تلك العزة والسلطان من أسباب إقبال غير العرب على معرفة لسان العرب، حتى صارت أوطان أعجمية إلى النطق بالعربية"٢.

والظاهرة التي نشاهدها الآن في ضرورة تعلم اللغات الأجنبية للأمة العربية حتى تتمكن من إرسال بعثاتها العلمية إلى جامعات الدول الأخرى، أو دراسة أمهات الكتب للعلوم الكونية في جامعاتها؛ لأنها بلغة أجنبية لمؤلفين أجانب - هذه الظاهرة دعت إليها الحاجة إلى العلم والثقافة، ونحن نراها تنشر سيطرتها على تفكير الكثير وتحدد اتجاهه في الحياة، وتصل إلى درجة الولوع بها والشغف والتوسع في فنونها، وقد كان لها الأثر البالغ في الأخلاق والعادات والتقاليد مما جعل حياتنا العامة في شتى صورها تخرج عن سَمت الإسلام وطابع فضائله، ولم تكن الأمم الأخرى في حاجة إلى ترجمة كتبها إلى اللغة العربية لما لها من المكانة العلمية فلو ظلت دولة الإسلام في طريق نهضتها الأولى علمًا وثقافة وسياسة وخُلُقًا وقوة وسلطانًا ومهابة لرمقها العالَم من جميع أطراف


١ "فتح الباري" باب: ما يجوز من تفسير التوراة وكتب الله بالعربية.
٢ "بلاغة القرآن" ص١٨.

<<  <   >  >>