قال الأستاذ محمد حسين الذهبي: "وقد اعتمد هؤلاء المفسرون في فهمهم لكتاب الله تعالى على ما جاء في الكتاب نفسه، وعلى ما رووه عن الصحابة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى ما رووه عن الصحابة من تفسيرهم أنفسهم. وعلى ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء في كتبهم، وعلى ما يفتح الله به عليهم من طريق الاجتهاد والنظر في كتاب الله تعالى.
وقد روت لنا كتب التفسير كثيرًا من أقوال هؤلاء التابعين في التفسير قالوها بطريق الرأي والاجتهاد، ولم يصل إلى علمهم شيء فيها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن أحد من الصحابة.
وقد قلنا فيما سبق: إن ما نُقِل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة من التفسيرلم يتناول جميع آيات القرآن، وإنما فسروا ما غمض فهمه على معاصريهم، ثم تزايد هذا الغموض -على تدرج- كلما بَعُد الناس عن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، فاحتاج المشتغلون بالتفسير من التابعين إلى أن يكملوا بعض هذا النقص، فزادوا في التفسير بمقدار ما زاد من غموض، ثم جاء مَن بعدهم فأتموا تفسير القرآن تباعًا، معتمدين على ما عرفوه من لغة العرب ومناحيهم في القول، وعلى ما صح لديهم من الأحداث التي حدثت في عصر نزول القرآن، وغير هذا من أدوات الفهم ووسائل البحث١.
لقد اتسعت الفتوحات الإسلامية، وانتقل كثير من أعلام الصحابة إلى الأمصار المفتوحة، ولدى كل واحد منهم علم. وعلى يد هؤلاء تلقى تلاميذهم من التابعين علمهم، وأخذوا عنهم، ونشأت مدارس متعددة.
ففي مكة نشأت مدرسة ابن عباس واشتهر من تلاميذه بمكة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.