للأمراء وحملوها إليهم لينالوا من دنياهم ويدلك على أنهم قصدوا بالعلوم أن الأمراء كانوا قديما يميلون إلى سماع الحجج في الأصول فأظهر الناس علم الكلام ثم مال بعض الأمراء إلى المناظرة في الفقه فمالالناس إلى الجدل ثم بعض الأمراء إلى المواعظ فمال خلق كثير من المتعلمين إليها ولما كان جمهور العوام يميلون إلى القصص كثر القصاص وقل الفقهاء.
ومن تلبيس إبليس على الفقهاء أن أحدهم يأكل من وقف المدرسة المبنية على المتشاغلين بالعلم فيمكث فيها سنين ولا يتشاغل ويقنع بما عرف أو ينتهي في العلم فلا يبقى له في الوقف حظ لأنه إنما جعل لمن يتعلم ألا أن يكون ذلك الشخص معيدا أو مدرسا فان شغله دائم ومن ذلك ما يحكى عن بعض الأحداث المتفقهة من الانبساط في المنهيات فبعضهم يلبس الحرير ويتحلى بالذهب ويحال على المكث فيأخذه إلى غير ذلك من المعاصي وسبب انبساط هؤلاء مختلف فمنهم من يكون فاسد العقيدة في أصل الدين وهو يتفقه ليستر نفسه أو ليأخذ من الوقف أو ليرأس أو ليناظر ومنهم من عقيدته صحيحة لكن يغلبه الهوى وحب الشهوات وليس عنده صارف عن ذلك لأن نفس الجدل والمناظرة تحرك الكبر والعجب وإنما يتقوم الانسان بالرياضة ومطالعة سير السلف وأكثر القوم في بعد عن هذا وليس عندهم إلا ما يعين الطبع على شموخه فحينئذ يسرح الهوى بلا زاد ومنهم من يلبس عليه إبليس بأنه عالم وفقيه ومفت والعلم يدفع عن أربابه وهيهات فان العلم أولى أن يحاجه ويضاعف عذابه كما ذكرنا في حق القراء وقد قال الحسن البصري إنما الفقيه من يخشى الله ﷿ قال ابن عقيل رأيت فقيها خراسانيا عليه حرير وخواتم ذهب فقلت له ما هذا فقال خلع السلطان وكمد الأعداء فقلت له بل هو شماتة الأعداء بك إن كنت مسلما إن إبليس عدوك وإذا بلغ منك مبلغك البسك ما يسخط الشرع فقد أشمته بنفسك وهل خلع السلطان سائغة لنهي الرحمن يا مسكين خلع عليك السلطان فانخلعت به من الإيمان وقد كان ينبغي أن يخلع بك السلطان لباس الفسق ويلبسك لباس التقوى رماكم الله بخزيه حيث هونتم أمره هكذا ليتك قلت هذه رعونات الطبع الآن تمت محنتك لأن عدوانك دليل على فساد باطنك.
ومن تلبيسه عليهم أن يحسن لهم ازدراء الوعاظ ويمنعهم من الحضور عندهم فيقولون من هؤلاء قصاص ومراد الشيطان أن لا يحضروا في موضع يلين فيه القلب ويخشع والقصاص لا يذمون من حيث هذا الاسم لأن الله ﷿ قال: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ