للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حامد الغزالي إذا أكل الانسان ما يستلذه قسا قلبه وكره الموت واذا منع نفسه شهواتها وحرمها لذاتها اشتهت نفسه الإفلات من الدنيا بالموت.

قال المصنف واعجبا كيف يصدر هذا الكلام من فقيه أترى لو تقلبت النفس في أي فن كان من التعذيب ما أحبت الموت ثم كيف يجوز لنا تعذيبها وقد قال ﷿: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ ورضي منا بالإفطار في السفر رفقا بها وقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ أو ليست مطيتنا التي عليها وصولنا:

وكيف لا نأوي لها وهي التي … بها قطعنا السهل والحزونا

وأما معاقبة أبي يزيد نفسه بترك الماء سنة فإنها حالة مذمومة لا يراها مستحسنة إلا الجهال ووجه ذمها أن للنفس حقا ومنع الحق مستحقه ظلم ولا يحل للإنسان أن يؤذي نفسه ولا أن يقعد في الشمس في الصيف بقدر ما يتأذى ولا في الثلج في الشتاء والماء يحفظ الرطوبات الأصلية في البدن وينفذ الأغذية وقوام النفس بالأغذية فإذا منعها أغذية الآدميين ومنعها الماء فقد أعان عليها وهذا من أفحش الخطأ وكذلك منعه إياها النوم قال ابن عقيل وليس للناس إقامة العقوبات ولا استيفاؤها من أنفسهم يدل عليه أن إقامة الإنسان الحد على نفسه لا يجزي فإن فعله أعاده الإمام وهذه النفوس ودائع الله ﷿ حتى أن التصرف في الأموال لم يطلق لأربابها إلا على وجوه مخصوصة.

قال المصنف : قلت وقد روينا في حديث الهجرة أن النبي تزود طعاما وشرابا وأن أبا بكر فرش له في ظل صخرة وحلب له لبنا في قدح ثم صب ماء على القدح حتى برد أسفله وكل ذلك من الرفق بالنفس وأما ما رتبه أبو طالب المكي فحمل على النفس بما يضعفها وإنما يمدح الجوع إذا كان بمقدار وذكر المكاشفة من الحديث الفارغ وأما ما صنفه الترمذي فكأن ابتداء شرع برأيه الفاسد وما وجه صيام شهرين متتابعين عند التوبة وما فائدة قطع الفواكه المباحة وإذا لم ينظر في الكتب فبأي سيرة يقتدي وأما الأربعينية فحديث فارغ رتبوه على حديث لا أصل له من أخلص لله أربعين صباحا لم يجب الإخلاص (١) أبدا فما وجه تقديره بأربعين صباحا ثم لو قدرنا ذلك فالإخلاص عمل القلب فما بال المطعم ثم ما الذي حسن


(١) من جب الشيء إذا قطع.

<<  <   >  >>