يوئس عن المعالجة هؤلاء فإن ما اعتراهم ليس بأكثر من الوسواس ولا ينبغي أن يضيق عطننا من معالجتهم فإنهم قوم أخرجتهم عوارض انحراف مزاج وما مثلنا ومثلهم إلا كرجل رزق ولدا أحول فلا يزال يرى القمر بصورة قمرين حتى إنه لم يشك أن في السماء قمرين فقال له أبوه القمر واحد وإنما السوء في عينيك غض عينك الحولاء وأنظر فلما فعل قال أرى قمرا واحدا لأني عصبت إحدى عيني فغاب أحدهما فجاء من هذا القول شبهة ثانية فقال له أبوه إن كان ذلك كما ذكرت فغض الصحيحة ففعل فرأى قمرين فعلم صحة ما قال أبوه.
أنبأنا نا محمد بن ناصر نا الحسن بن أحمد بن البنا ثنا ابن دودان نا أبو عبد الله المرزناني ثني أبو عبد الله الحكيمي ثني يموت بن المزرع ثني محمد بن عيسى النظام قال مات ابن لصالح بن عبد القدوس فمضى إليه أبو الهذيل ومعه النظام وهو غلام حدث كالمتوجع له فرآه منحرفا فقال له أبو الهذيل لا أعرف لجزعك وجها إذا كان الناس عندك كالزرع فقال له صالح يا أبا الهذيل إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك فقال له أبو الهذيل وما كتاب الشكوك قال هو كتاب وضعته من قرأه يشك فيما قد كان حتى يتوهم أنه لم يكن وفيما لم يكن حتى يظن أنه قد كان فقال له النظام فشك أنت في موت ابنك واعمل على أنه لم يمت وإن كان قد مات فشك أيضا في أنه قد قرأ الكتاب وإن كان لم يقرأه وحكى أبو القاسم البلخي أن رجلا من السوفسطائية كان يختلف إلى بعض المتكلمين فأتاه مرة فناظره فأمر المتكلم بأخذ دابته فلما خرج لم يرها فرجع فقال سرقت دابتي فقال ويحك لعلك لم تأتي راكبا قال بلى قال فكر قال هذا أمر أتيقنه فجعل يقول له تذكر فقال ويحك ويحك ما هذا موضع تذكر أنا لا أشك أنني جئت راكبا قال فكيف تدعي أنه لا حقيقة لشيء وإن حال اليقظان كحال النائم فوجم السوفسطائي ورجع عن مذهبه.
فصل: قال النوبختي قد زعمت فرقة من المتجاهلين أنه ليس للأشياء حقيقة واحدة في نفسها بل حقيقتها عند كل قوم على حسب ما يعتقد فيها فإن العسل يجده صاحب المرة الصفراء مرا ويجده غيره حلوا قالوا وكذلك العالم هو قديم عند من اعتقد قدمه محدث عند من اعتقد حدوثه واللون جسم عند من اعتقده جسما وعرض عند من اعتقده عرضا قالوا فلو توهمنا عدم المعتقدين وقف الأمر على وجود من يعتقد وهؤلاء من جنس السوفسطائية فيقال لهم أقولكم صحيح فسيقولون هو صحيح عندنا باطل عند خصمنا قلنا دعواكم صحة قولكم مردودة وإقراركم بأن مذهبكم عند خصمكم باطل شاهد عليكم ومن شهد على قولهم