كانت الحياة الدينية في بلاد المشرق العربي آنذاك أوفر حظًّا من غيرها من الحَيَوات؛ نظرًا لأن المماليك كانوا يدينون بالدين الإسلاميّ وكانوا يعرفون مدى تأثير الروح الدينية على الناس في الشرق العربي فقد أرادوا أن يتخذوا من الدين دعامة قوية يشجبون عليها كلّ مساوئهم؛ فكانوا يبالغون في الظهور بالمظاهر الدينية؛ من بناء المساجد والزوايا، والاحتفال بالأعياد الدينية وإقامة الموالد والاهتمام ببناء الأضرحة للأولياء.
وكان العلماء النازحون من الأقطار الإسلامية يتفاعلون مع هذا الجو الديني ومع هذه الطبيعة الدينية، وبخاصة أن هؤلاء العلماء المضطهدين الفارين من وجه التتار، والذين كانوا يدينون بالدين الإسلامي الحنيف، كانوا متمسكين غاية التمسك بأصول دينهم ومقررات شريعتهم الإسلامية الغراء، يدافعون عن الإسلام والمسلمين وخاصة في تلك الأوقات العصيبة التي يقفون فيها أمام أعدائهم ممن لا دين لهم ولا خلاق.
في ظل هذا الجو السياسي المائج بالفتن والقلاقل والاضطرابات، وفي ظل هذه الحياة الاجتماعية والاقتصادية القاسية ... وفي ظل هذه البيئة العلمية الناضجة بالتنافس المزدهرة بالتأليف الحافلة بالموسوعات عاش عالمنا الكبير، ركن الدين الحسن بن أحمد الأستراباذي، وسنرى في السطور التالية -إن شاء الله تعالى- مدى التفاعل بينه وبين بيئته مؤثرًا ومُتأثرًا.