ولأنه ليس في التعبد به استحالة في ذاته، ولا يفضي إلى محال، ولا مفسدة. ولا يبعد أن يعلم الله – تعالى- لطفًا فيه يقتضي أن يناط به صلاح العباد بتعبدهم بالاجتهاد، لعلمه أنه لو نصَّ لهم على قاطع: لعصوا، كما ردّهم في قاعدة الربا إلى الاستنباط من الأعيان الستة، مع إمكان التنصيص على كل مكيل وموزون، أو مطعوم.
وكان الصحابة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم – يروي بعضهم عن بعض، مع إمكان مراجعة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-.
كيف ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-قد تُعُبِّد بالقضاء بالشهود والحكم بالظاهر، حتى قال:"إنكم لتختصمون إليَّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي على نحو ما أسمع" ١؟!.
وكان يمكن نزول الوحي بالحق الصريح في كل واقعة.
وإمكان النص لا يجعل النص موجودًا. والله- سبحانه وتعالى- أعلم.
١ حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم بلفظ: "إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعضٍ فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها، أو ليتركها". انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي "٤/ ١٦٣"، صحيح مسلم بشرح النووي "٤/ ١٢"، سنن أبي داود "٢/ ٢٠٥"، سنن ابن ماجة "٢/ ٧٧٧"، مشكاة المصابيح "٢/ ٣٤٢".