للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: [شروط الفعل المكلف به]

فأما الشروط المعتبرة للفعل المكلف به فثلاثة:

أحدهما: أن يكون معلومًا للمأمور به، حتى يتصور قصده إليه، وأن يكون معلومًا كونه مأمورًا به من جهة الله -تعالى- حتى يتصور منه قصد الطاعة والامتثال. وهذا يختص بما يجب به قصد الطاعة والتقرب١.


= الدليل موجود وهو حديث "الإسلام يهدم ما كان قبله" أي: يقطع ما قبله من أحكام الكفر.
١ إيضاح معنى هذا الشرط: أن الفعل المكلف به يشترط في صحة التكليف به شرعًا أن يكون المكلف يعلمه، فيشترط لتكليفه بالصلاة علمه بحقيقة كيفية الصلاة لأن التكليف بالمجهول من تكليف ما لا يطاق، إذ لو قيل للمكلف افعل ما أضمره في نفسي أنك تفعله وإلا عاقبتك، فقد كلف بفعل ما لا طاقة له به لأن اهتداءه إلى الفعل المطلوب من غير علم ليس في طاقته كما هو واضح.
واعلم أن الأحكام الشرعية قسمان: قسم منها تعبدي محض، وقسم معقول المعنى. فالتعبدي كالصلاة والزكاة والصوم، فيشترط في التكليف به العلم بحقيقة الفعل المكلف به كما بينا، ويزاد على ذلك العلم بأنه مأمور به من الله تعالى، إذ لا بد له من نية التقرب به إلى الله تعالى ونية التقرب إليه عز وجل لا تمكن إلا بعد معرفة أن الأمر المتقرب به إليه أمر منه جل وعلا، وأما معقول المعنى فلا يشترط في صحة فعله نية التقرب ولكن لا أجر له فيه البتة إلا بنية التقرب إلى الله تعالى. ومثال ذلك رد الأمانة، والمغصوب وقضاء الدين، والإنفاق على الزوجة. فمن قضى دينه وأدى الأمانة ورد المغصوب مثلًا لا يقصد بشيء من ذلك وجه الله بل لخوفه من عقوبة السلطان مثلًا ففعله صحيح دون النية وتسقط عنه المطالبة فلا يلزمه الحق في الآخرة بدعوى أن قضاءه في الدنيا غير صحيح لعدم نية التقرب بل القضاء صحيح والمطالبة ساقطة على كل حال ولكن لا أجر له إلا بنية التقرب، وهذا هو مراد المؤلف بقوله وهذا يختص بما يجب به قصد الطاعة والتقرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>