فالطلب هنا منصب على إيجاد الفعل في حد ذاته لا إلى الفاعل. ومن أمثلته: الجهاد، والقضاء، وأداء الشهادة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإيجاد الصناعات والحرف المختلفة والعلوم التي تحتاج إليها الأمة، وإعداد القوة بأنواعها ونحو ذلك مما يحقق مصلحة الأمة. ولا خلاف بين الأصوليين في أن الواجب الكفائي يتحقق المقصود منه بفعل بعض المكلفين، وعلى أن ترك الواجب الكفائي من جميع المكلفين يستوجب تأثيم الجميع، لأنهم فوّتوا ما قصد من الفعل، وكذلك لو قام به عدد أقل ممن يسد بهم الحاجة، فالفاعلون مثابون، وغيرهم آثمون. لكنهم مختلفون في الخطاب المتعلق بهذا الفعل، هل هو موجه إلى جميع المكلفين، ويسقط بفعل البعض، أو هو موجه إلى بعض غير معين؟ فالجمهور على أنه متعلق بجميع المكلفين، بمعنى أن القادر على الفعل عليه أن يقوم بنفسه، وغير القادر يحث غيره على القيام به. وذهب بعض الأصوليين ومنهم المعتزلة إلى أن فرض الكفاية يتعلق بطائفة غير معينة، لأنه لو تعلق بالكل لما سقط إلا بفعل الكل. وتظهر ثمرة هذا الخلاف: فيمن علم بشيء من فروض الكفايات، كتغسيل ميت وتكفينه، والصلاة عليه، وشك هل هناك من قام بهذا الواجب أو لا؟ فعلى رأي الجمهور يجب عليه السعي ليتبين حقيقة الأمر، لأن الأمر متعلق به على سبيل الوجوب المحقق، ولا يسقط بالشك. أما على الرأي الثاني فلا يلزمه ذلك، لأن الخطاب لم يتوجه إليه. وقد يصير الواجب الكفائي واجبًا عينيًّا، إذا انحصر الفعل المطلوب في شخص معين أو فئة معينة، كالجهاد، فإنه يصبح فرض عين على كل قادر عليه، إذا لم يحصل بعدد محدد. ومثل ذلك: إذا شهد المكلف القادر دون غيره منكرًا، فعليه إنكاره بقدر استطاعته. =