للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو الحسن الجزري١، وطائفة من الواقفية٢: لا حكم لها؛ إذ معنى الحكم: الخطاب، ولا خطاب قبل ورود السمع.

والعقل لا يبيح شيئا ولا يحرمه، وإنما هو معرف للترجيح والاستواء، وقبح التصرف في ملك الغير إنما يعلم بتحريم الشارع ونهيه.

ولو حكمت فيه العادة [لقضت بأنه] إنما يقبح في حق من يتضرر بالتصرف في ملكه، بل يقبح المنع مما لا ضرر فيه، كالظل وضوء النار.

وهذا القول هو اللائق بالمذهب، إذ العقل لا دخل له في الحظر والإباحة، على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى- وإنما تثبت الأحكام بالسمع.

وقد دل السمع على الإباحة على العموم بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ٣.


١ هو: أحمد بن نصر بن محمد، أبو الحسن الجزري -نسبة إلى جزيرة ابن عمر بالعراق- من قدماء الحنابلة، ومن المبرزين في المناظرة، والجدل والأصول والفروع. توفي سنة ٣٨٠هـ "طبقات الحنابلة ٢/ ١٦٧".
٢ هم الذين يقفون في المسائل المختلف فيها، ولا يجزمون فيها برأي معين، والتوقف له معنيان، أو سببان: إما لعدم الدليل أصلًا، وإما لتعارض الإدلة.
٣ سورة البقرة من الآية: ٢٩ وقد بين الشيخ "ابن بدران" وجه الاستدلال بالآية الكريمة فقال: "وجه الاستدلال: أنه سبحانه وتعالى أخبرهم -في معرض الامتنان عليهم وتذكيرهم النعمة- أنه خلق لهم ما في الأرض وسخره لهم، واللام للاختصاص أو الملك، إذا صادفت قابلًا له، والخلق قابلون للملك، وهو في الحقيقة: تخصيص من الله -سبحانه- لهم بانتفاعهم به؛ إذ لا مالك -على الحقيقة- إلا الله -سبحانه وتعالى- فاقتضى ذلك: أنهم متى اجتمعوا وما خلق لهم وسخر لهم في الوجود ملكوه، وإذا ملكوه جاز انتفاعهم به؛ إذ فائدة الملك: جواز الانتفاع". "نزهة الخطر جـ١ ص١٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>