للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: لا يقتضي الكف، إلا أن يتناول التلبس١ بضد من أضداده، فيثاب على ذلك لا على الترك؛ لأن "لا تفعل" ليس بشيء، ولا تتعلق به قدرة، إذ لا تتعلق القدرة إلا بشيء.

والصحيح: أن الأمر فيه مستقيم، فإن الكف في الصوم مقصود، ولذلك تشترط النية فيه.

والزنا والشرب نهي عن فعلهما، فيعاقب على الفعل، ومن لم يصدر منه ذلك لا يثاب ولا يعاقب؛ إلا إذا قصد كف الشهوة عنه مع التمكن فهو مثاب على فعله.

ولا يبعد أن "يكون مقصود الشرع"٢ أن لا يتلبس بالفواحش، وإن لم يقصد أنه يتلبس بضدها٣.


١ في جميع النسخ "التلبيس" وهو خطأ واضح، وقد صححناها من المستصفى.
٢ ما بين القوسين من المستصفى لتوضيح المعنى.
٣ خلاصة هذا الفصل: أن الفعل المكلف به يتنوع إلى نوعين: فعل وكف، وقد اختلف العلماء فيما يقتضيه التكليف؟.
فالجمهور على أن المقتضى به الإقدام أو الكف، وهو فعل أيضًا، ولذلك قالوا: لا تكليف إلا بفعل. فالكف معناه: كف النفس وصرفها عن المنهي عنه، وآيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- تؤيد ذلك. قال الله -تعالى-: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: ٦٣] فسمى الله -تعالى- عدم نهي الربانيين والأحبار لهم صنعًا، فدل ذلك على أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعل. وقال تعالى: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: ٧٩] . فسمى عدم تناهيهم عن المنكر فعلًا وهو واضح. وفي السنة من هذا كثير، من ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" فسمى ترك الأذي إسلامًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>