للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.................................


وبيانه: أن تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز، هو اصطلاح حادث، بعد انقضاء القرون الثلاثة، وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز: أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه: "مجاز القرآن".
وقد بين هذا ابن السبكي في "عروس الأفراح" ولكن لم يعنِ بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة، وإنما عنى بمجاز الآية: ما يعين به عن الآية.
والمانعون قالوا: إنكم تقولون: المجاز: الكلمة المستعلمة في غير ما وضعت له، وهذا يقتضي العلم: بأن هذه الكلمة وضعت أولًا لكذا، ثم استعملت في غيرها، أو فيها، فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال، وهذا إنما يصح على قول من يجعل اللغات اصطلاحية، فيدعي أن قومًا من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا، وهذا بكذا، وبجعل هذا عامًا في جميع اللغات.
قال الإمام "ابن تيمية": وهذا القول لا نعرف أحدًا من المسلمين قاله قبل أبي هاشم الجبائي، فإنه تنازع هو أبو الحسن الأشعري في مبدأ اللغات، فقال أبو هاشم: هي اصطلاحية وقال الأشعري: هي توقيفية، ثم خاض الناس بعدهما في هذه المسألة.
قال الإمام: والمقصود هنا: أنه لا يمكن أحدًا أن ينقل عن العرب، بل ولا عن أمة من الأمم: أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالتواتر: استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها، فإن ادعى مدع أنه يعلم وضعًا يتقدم ذلك فهو مبطل، فإن هذا لم ينقل عن أحد من الناس.
وقد أطال الإمام النفس في هذه المسألة في كتابه: "الإيمان".
وحاصل الأمر: تعذر معرفة تقدم وضع على وضع، فلا مجاز بالمعنى الذي قالوه، بل الكل موضوع، فرجع إلى أنه نزاع في العبارة" نزهة الخاطر "١/ ١٨٢-١٨٤" طبعة مكتبة المعارف بالرياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>