للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الدليل على وقوعه:

فقد نسخ حكم قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ... } ١ وبقيت تلاوتها٢.


١ سورة البقرة من الآية: ١٨٤.
٢ وذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام مخيرين بين أن يصوموا، وبين أن يفطروا، ويطعموا مسكينًا عن كل يوم، فنسخ ذلك التخيير بتعيين الصوم للقادر عليه بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... } وبقيت الرخصة في حق العاجز عن الصوم، لكبر، أو مرض، أو حمل، أو رضاع.
روى ابن جرير الطبري "٢٧٥٢" وأبو داود "٨/ ٢٣" والبيهقي "٤/ ٢٣٠" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم، رخّص لهما أن يفطرا إن شاءا، ويطعما لكل يوم مسكينًا، ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ... } وثبت ذلك للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، وللحبلى والمرضع إذا خافتا، وإسناده صحيح.
قال الشوكاني:
"وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية، هل هي محكمة أو منسوخة، فقيل: إنها منسوخة، وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام، لأنه شق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينًا ترك الصوم، وهو يطيقه، ثم نسخ ذلك، وهذا قول الجمهور.
وروي عن بعض أهل العلم أنها لم تنسخ، وأنها رخصة للشيوخ، والعجائز خاصة إذا كانوا لا يطيقون الصيام إلا بمشقة، وهذا يناسب قراءة التشديد، أي: يكلفونه كما مر. "فتح القدير ١/ ١٩٨".
وقراءة التشديد التي أشار إليها، هي قراءة شاذة رويت عن بعض الصحابة، "يُطَوِّقُونَهُ" بفتح الطاء مخففة، وتشديد الواو مبنيًا للمفعول، بمعنى يكلّفونه فلا يطيقونه: انظر: زاد المسير "١/ ١٨٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>