فقد حصل العلم بواسطة، لكنها جلية في الذهن حاضرة، ولهذا لو قيل: "ستة وثلاثون هل هو نصف اثنين وسبعين"؟ يفتقر فيه إلى تأمل ونظر، حتى يعلم أن هذه الجملة تنقسم بجزءين متساوين، أحدهما ستة وثلاثون. فإذًا: العلم بصدق خبر التواتر يحصل بواسطة هذه المقدمات وما هو كذلك فليس بأوّلي، وهل يسمى ضروريًا؟ ربما يختلف فيه الاصطلاح. والضروري -عند الأكثرين- عبارة عن الأولى، لا عما نجد أنفسنا مضطرين إليه؛ فإن العلوم الحسابية كلها ضرورية، وهي نظرية, ومعنى كونها نظرية: أنها ليس بأولية. وكذلك العلم بصدق التواتر. ويقرب منه: العلم المستفاد من التجربة، التي يعبر عنها بـ"اطراد العادات" كقولنا: "الماء مرو" و"الخمر مسكر" المستصفى جـ٢ ص١٣٦ تحقيق الدكتور حمزة حافظ. أما الطوفي: فقد جعل الخلاف بين الفريقين نظريًّا، فبعد أن أورد أدلة كل مذهب قال: ".... لأن القائل بأنه ضروري لا ينازع في توقفه على النظر في المقدمات المذكورة، والقائل بأنه نظري لا ينازع في أن العقل يضطر إلى التصديق به، وإذا وافق كل واحد من الفريقين صاحبه على ما يقوله في حكم هذا العلم وصفته، لم يبق النزاع بينهما إلا في اللفظ، وهو: أن الأول سمى ما يضطر العقل إلى التصديق به -وإن توقف على مقدمات نظرية- ضروريًّا. والثاني سمى ما يتوقف على النظر في المقدمات -وإن كانت بينة- نظريًّا، وخص الضروري بالبديهي، وهو الكافي في حصول الجزم به: تصور طرفيه، كقولنا: الواحد نصف الاثنين؛ فإن من تصور حقيقة الواحد، وتصور حقيقة الاثنين حصل له العلم بأن الواحد نصف الاثنين. =