للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا إنما يصح: إذا تجرد الخبر عن القرائن.

فإن اقترنت به قرائن: جاز أن تختلف به الوقائع والأشخاص؛ لأن القرائن قد تورث العلم، وإن لم يكن فيه أخبار، فلا يبعد أن تنضم القرائن إلى الأخبار، فيقوم بعض القرائن مقام بعض العدد من المخبرين١.

ولا ينكشف هذا إلا بمعرفة القرائن، وكيفية دلالتها فنقول:

لا شك أنا نعرف أمورًا ليست محسوسة؛ إذ نعرف من غيرنا حبّه لإنسان، وبغضه إياه، وخوفه منه، وخجله، وهذه أحوال في النفس لا يتعلق بها الحس، قد يدل عليها دلالات، آحادها ليست قطعية، بل يتطرق إليها الاحتمال، لكن تميل النفس بها إلى اعتقاد ضعيف، ثم الثاني والثالث يؤكده، ولو أفردت آحادها لتطرق إليها الاحتمال، إلى أن يحصل القطع باجتماعها.


= التواتري، كما رأيت، والله أعلم" شرح مختصر الروضة جـ٢ ص٨١-٨٢.
١ خلاصة ذلك: أن ما أفاد العلم اليقيني من الأخبار في واقعه معينة وجب أن يفيده -أيضًا- في كل واقعة أخرى، وأن من أفاد العلم بالنسبة لشخص من الناس، وجب أن يفيده لكل شخص غيره، إذا شاركه في سماع ذلك الخبر، ولا يجوز أن تختلف واقعة عن واقعة، أو شخص عن شخص.
وإلى ذلك ذهب بعض العلماء، كأبي بكر الباقلاني، وأبي الحسين البصري وغيرهما.
أما جمهور العلماء -ومنهم ابن قدامة- فقد فرقوا بين الخبر الذي تجرد عن القرائن، والخبر الذي اقترنت به القرائن، فإن تجرد الخبر عن القرائن، فلا يجوز أن يختلف كما قال الأولون، وهذا معنى قوله: "وهذا إنما يصح إذا تجرد الخبر عن القرائن".
أما إذا اقترنت بالخبر قرائن، فلا شك أن حصول اليقين به يتفاوت؛ لأن القرائن الخفية يدركها البعض وتخفى على البعض الآخر، فتقوم القرائن -عند من يدركها- مقام عدد من المخبرين. وسوف يبدأ المؤلف ببيان هذه القرائن.

<<  <  ج: ص:  >  >>