للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشهادة، والعمل بالفتيا، أو التوجه إلى الكعبة بالاجتهاد عند الاشتباه، وإنما يفيد الظن، كما يفيد بالعمل بالمتواتر، والتوجه إلى الكعبة عند عدم معاينتها، فلِمَ يستحيل أن يلحق المظنون بالمعلوم؟

وإن صدر من منكر للشرع: فيقال له: أي استحالة في أن يجعل الله -تعالى- الظن علامة للوجوب، والظن مدرك بالحس، فيكون الوجوب معلومًا؟

فيقال له: إذا ظننت صدق الشاهد، والرسول، والحالف: فاحكم به، ولست متعبدًا بمعرفة صدقه، بل بالعمل به عند ظن صدقه، وأنت ممتثل مصيب صدق أم كذب.

كما يجوز أن يقال: إذا طار طائر ظننتموه غرابًا: أوجبت عليكم كذا، وجعلت ظنكم علامة، كما جعل زوال الشمس علامة على وجوب الصلاة١.


١ خلاصة ما أجاب به المصنف على هؤلاء المنكرين: أن المنكر إما أن يكون مقرًّا بالشرع أو لا؟ فإن كان مقرًّا فنقول له: إن الشرع ورد فيه ما ينقض قولك، كالحكم بالشهادة، والعمل بقول المفتي، وهو واحد، والاجتهاد في القبلة إذا اشتبهت على المصلي، فإنه يجب عليه أن يصلي إلى الجهة التي ظنها القبلة، وكل هذا من قبيل الظنون.
وإن كان المنكر ممن ينكر الشرع فيقال له: أي استحالة في أن يجعل الله -تعالى- الظن علامة للوجوب، كما لو قال: إذا طار بكم طائر وظننتموه غرابًا أوجبت عليكم كذا وكذا، وجعلت ظنكم علامة على وجوب العمل، كما جعلت زوال الشمس علامة على وجوب الصلاة، والظن وجوده مدرك بالحس، فيكون الوجوب معلومًا، فمن أتى بالواجب عند الظن فقد امتثل قطعًا، وهكذا العمل في الشاهد والحالف، لسنا متعبدين بالعلم بصدقه، لكن بالعمل بالظن الذي نحسه من أنفسنا. انظر: "شرح ابن بدران جـ١ ص٢٦٤، ٢٦٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>