أما في مسائل الاجتهاد: فالصحيح عنه أنهم كغيرهم من الأمة، وإن كان قد نقل عنه الإطلاق. قال صاحب مراقي السعود: وأوجبنْ حجية للمدني ... فيما على التوقيف أمره بُني وقيل: مطلقًا..... انظر: نثر الورود على مراقي السعود "٢/ ٤٣١". ومن الأدلة التي تمسك بها الإمام مالك: الأحاديث التي وردت في فضل المدينة، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة تنفي الناس، كما ينفي الكير خبث الحديد" أخرجه البخاري: كتاب فضائل المدينة، ومسلم: في كتاب الحج، باب: المدينة تنفي شرارها بلفظ "ألا إن المدينة كالكير، تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها، كما ينفي الكير خبث الحديد". وقد أجاب المصنف على ذلك -فيما بعد- بأن ورود مثل ذلك لا يدل على أن اتفاق أهلها حجة، فالعصمة ليست للمكان، وإلا لكانت مكة أولى بذلك من المدينة، ومساوية لها، لأنها أفضل من المدينة عند الأكثرين، وإنما العصمة للأمة جميعها. كما أجاب الجمهور عن الاستدلال بالحديث المتقدم؛ بأن هذا الحديث ورد على سبب خاص، وهو: أن أعرابيًا دخل المدينة، وبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك، فخرج بغير إذنه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المدينة كالكير، تنفي خبثها، ويتضيع طيبها" أخرجه البخاري ومسلم أيضًا. ومعنى "يتضيع طيبها" أي: يفوح وينتشر. كما أجيب عنه بوجه ثان: هو أن الخبث في عرف اللغة لا يفيد الخطأ مطابقة، ولا تضمنًا ولا التزامًا، فكيف يستدل بالحديث على نفي الخطأ؟ انظر: شرح مختصر الروضة "٣/ ١٠٥، ١٠٦". ١ هذا استدلال على أن إجماع أهل المدينة ليس حجة وهو من وجهين: أحدهما: أن العصمة تثبت للأمة كلها إلخ. =