للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما النفي: فالعقل قد دل عليه إلى أن يرد دليل السمع الناقل عنه، فينتهض دليلًا على أحد الشطرين١.

ومثاله: لما دل السمع٢ على خمس صلوات، بقيت السادسة غير واجبة، لا لتصريح السمع بنفيها؛ فإن لفظه قاصر على إيجاب الخمسة، لكن كان وجوبها منتفيًا، ولا مثبت للوجوب، فيبقى على النفي الأصلي.

وإذا أوجب عبادة على قادر، بقي العاجز على ما كان عليه، ولو أوجبها في وقت، بقيت في غيره على البراءة الأصلية.

فإن قيل:

إذا كان العقل إنما كان دليلًا بشرط أن لا يرد سمع، فبعد وضع الشرع لا يعلم نفي السمع، ومنتهاكم: عدم العلم بوروده، وعدم العلم ليس بحجة.

ولو جاز ذلك، لجاز للعامي النفي مستندًا إلى أنه لم يبلغه دليل٣.


١ أي: إما الحكم المذكور أو إثباته.
٢ وهو النوع الأول من أنواع الاستصحاب الذي أوضحناه قريبًا.
٣ هذا اعتراض أورده المصنف على المنكرين لحجية الاستصحاب، خلاصته: أن دلالة العقل إنما تكون حجة قبل ورود الشرع، أما بعد وروده الشرع فغير مسلم، وإلا لجاز للعامي أن يستند إلى ذلك. بحجة أنه لم يبلغه.
وأجاب عنه المصنف إجابة مختصرة شرحها الشيخ الطوفي فقال: "إن الناس إما عامي لا يمكنه البحث والاجتهاد في طلب الدليل، أو مجتهد يمكنه ذلك:
فإن كان عاميًّا، فتمسكه بالاستصحاب مع عدم الدليل الناقل، هما مما ذكرتم من التمسك بالجهل، فهو لعدم أهليتها كالأعمى يطوف في البيت على متاع، وآلة البصر لا تساعده على إدراكه.
أما المجتهد الذي يمكنه الوقوف على الدليل، فتمسكه بعد الجدّ والاجتهاد =

<<  <  ج: ص:  >  >>