للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو الخطاب، وبعض الحنفية، وبعض الشافعية: ليس هذا بمرض؛ فإنا عرفنا أن أهل اللغة خصوا مسكر عصير العنب باسم "الخمر" فوضعه لغيره اختراع من عندنا، فلا يكون من لغتهم.

وإذا علمنا أنهم وضعوه لكل مسكر: فاسم "الخمر" ثابت للنبيذ توقيفًا من جهتهم، لا قياسًا.

وإن احتمل الأمرين، فَلِمع نتحكّم عليهم ونقول: لغتكم هذه؟

وقد رأيناهم يضعون الاسم لمعانٍ ويخصصونها بالمحل، كما يسمون الفرس: أدهم؛ لسواده، وكميتًا١؛ لحمرته، والقارورة من الزجاج، لأنه


= اسمه زيد، ولا أن يقول: عمرو عالم، وهو رجل فأنا أحكم بأن كل رجل عالم، وإنما النزاع في الأسماء الكلية، أعني: أسماء الأجناس والأنواع التي وضعت لمعان في مسمياتها تدور معها وجودًا وعدمًا، كالخمر الذي دار اسمه مع التخمير، هل يجوز إطلاقه على النبيذ، قياسًا بعلة التخمير والإسكار؟
قال الآمدي: أثبت ذلك القاضي أبو بكر وابن سريج وجماعة من الفقهاء وأهل العربية. ونفاه أكثر أصحاب الشافعي والحنفية وجماعة من أهل الأدب، وهذا النقل كالتفصيل لنقل الشيخ أبي محمد" شرح مختصر الروضة "١/ ٤٧٦".
وتظهر ثمرة الخلاف في هذه المسألة في: أن من قال بالقياس اعتبر حكم المسميات الفرعية ثابتًا بالنص لا بالقياس، فيسمى "النباش" -وهو الذي يسرق أكفان الموتى- سارقًا، ويقام عليه الحد، كما يسمى "اللائط" زانيًا ويقام عليه الحد أيضًا. ويكون حكم النبيذ ثابتًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠] .
ومن قال: إن القياس لا يجري في اللغات: أثبت حكم المسميات السابقة بالقياس لا بالنص. انظر: شرح العضد على المختصر "١/ ١٨٣" نهاية السول "٣/ ٤١" الإحكام للآمدي "١/ ٢٠٨".
١ جاء في المصباح المنير "٢/ ٥٤٠": "الكميت من الخيل بين الأسود والأحمر. =

<<  <  ج: ص:  >  >>