"اعلم أن هذه المسألة تعرف بمسألة الحقيقة، أو الحقائق الشرعية. وتلخيص محل النزاع فيها يحتاج إلى كشف؛ فإن أكثر الفقهاء يتسلّمه تقليدًا، ولو سئل عن تحقيقه لم يفصح به. فنقول: أما إمكان وضع الشارع ألفاظًا من ألفاظ اللغة أو غيرها على المعاني الشرعية تعرف بها، فلا خلاف فيه، أعني: الإمكان؛ إذا لا يلزم من تقدير وقوعه محل لذاته، وإنما النزاع في أن هذه الألفاظ التي استفيدت منها المعاني الشرعية: هل خرج بها الشارع عن وضع أهل اللغة باستعمالها في غير موضوعهم؟ مثاله: أن الصلاة في اللغة: الدعاء، والزكاة: الطهارة أو النماء، والحج: القصد. وفي الشرع: الصلاة والحج: أفعال مخصوصة ذات شروط وأركان. والزكاة: إخراج جزء مقدّر من مقدار خاص ونوع خاص من المال، إلى قوم مخصوصين على وجه القربة. فهل خرج الشارع باستعمال هذه الألفاظ في هذه المعاني عن وضع اللغة؟ بمعنى: أنه أعرض فيها عن الموضوع اللغوي، فلم يلاحظه أصلًا، بل خطف -مثلًا- لفظ الصلاة فوضعه على الافعال المعروفة شرعًا، وأعرض عن الموضوع اللغوي الذي هو الدعاء، وهذا معنى قولنا: ما نقله الشرع، أي: معرضًا عن موضوعه في اللغة. أم لم يخرج بذلك عن موضوعهم، بل لاحظ في كل لفظ موضوعه اللغوي، لكنه زاد فيه شروطًا شرعية؟ مثلًا: إن موضوع الصلاة لغة -وهو الدعاء- مراد للشرع، وملاحظ في نظره، لكنه ضم إليه اشتراط الوضوء، والوقت، والسترة، والاستقبال، والنية، والتحريمة، والركوع، والسجود، والطمأنية، والتشهد، والتسليم. وهذا معنى قولنا: وقيل: لا، شرعية، أي: مستقلة مع الإعراض عن اللغة، بل اللغوية باقية، وزيدت شروطًا. فهذا تلخيص محل النزاع في المسألة. وعلى القول الأول: تكون الألفاظ الواردة، كالصلاة، والزكاة، والحج =