الرأي الأول: أنه لا إجمال في الحديث، وأن المقصود من الرفع: رفع الحكم وهو المؤاخذة؛ لأن العرف جارعلى أن المراد به: المؤاخذة، ولا يلزم من رفع المؤاخذة رفع ضمان ما أتلفه المخطئ أو الناسي، لأن ضمان المتلفات وأروش الجنايات من خطاب الوضع، وليست من خطاب التكليف، ولذلك يجب الضمان على الصبي مع أنه غير مكلف، ويلزم وليه، وكذلك تجب الدية على العاقلة، مع أنهم لا علم لهم بالجناية. الرأي الثاني: أن الحديث فيه إجمال، وأن قصر الحكم على رفع المؤاخذة فقط لا يصح؛ لأنه لو أراد نفي الإثم فقط، لم يكن لهذه الأمة مزية على غيرها من الأمم؛ لأن الناسي والمخطئ غير مكلفين في جميع الشرائع -كما قال أبو الخطاب-. وقد أجاب الشيخ الشنقيطي عن ذلك فقال: "فيه عندي أمران: أحدهما: أن رفع إثم الناسي والمخطئ من غير هذه الأمة غير مسلم؛ لورود أدلة تدل على اختصاص هذه الأمة بعفو الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، منها: الحديث الذي نحن بصدده، فقوله: "عن أمتي" يفهم منه: أن غيرها ليس كذلك: ومنها: حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه لصنم، مع أنه مكره بالخوف من القتل، لأنهم قتلوا صاحبه لما أبى عن ذلك. ومنها: أن قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ... } [البقرة: ٢٨٦] وقول الله: "قد فعلت" كما ثبت في صحيح مسلم، يدل على أن المؤاخذة بالخطأ والنسيان كانت معهودة على من قبلنا؛ إذ لو كانت مرفوعة عن كل أحد لما دعت ضرورة إلى هذا الدعاء، وإظهار الكرامة بالإجابة بقوله: "قد فعلت" =