وقد وضحه الطوفي فقال: "وتقرير حجته: أنه يحسن أن يقال: ما عندي رجل، بل رجلان، ولا يحسن أن يقال: ما عندي من رجل، بل رجلان، وذلك يدل على أن: ما عندي من رجل يعم، لامتناع إثبات الزيادة عليه، لافضائه إلى التناقض في عرف اللسان، وأن: ما عندي رجل، لا يعم، لجواز الزيادة عليه وعدم إفضائه إلى التناقض في عرف اللسان، ولا فرق بين الصورتين إلا إثبات "من" وعدمها" فدل على أنها هي المؤثرة في العموم في هذا الباب، ويلحق بثبوتها تحقيقًا، ثبوتها تقديرًا لاشتراكهما في المعنى. وسر هذا التقدير: أن "من" موضوعة للدلالة على الجنس، فإذا دخل النفي عليها تحقيقًا أو تقديرًا، كما سبق مثاله، أفاد نفي الجنس، وهو معنى الاستغراق والعموم، وإذا لم يدخل عليها، لم يفد نفي الجنس، بل نفي الشخص المذكور مبهمًا. مثاله: "ما في الدار من رجل" يقتضي نفي جنس الرجال من الدار، و"ما في الدار رجل" يقتضي نفي رجل واحد مبهم من جنس الرجال...." شرح مختصر الروضة "٢/ ٤٨٦-٤٨٧". ثم أجاب عن هذا الاستدلال فقال: "إن النفي إذا وقع على النكرة، اقتضى نفي ماهيتها، وماهيتها لا تنتفي إلا بانتفاء جميع أفرادها، كما إذا قال: "لا صلاة بغير طهور" فإنه نفي لماهية الصلاة، وهو لا يحصل إلا بانتفاء جميع أفراد الصلاة بغير طهور في جميع الأوقات والأماكن. وهذا الدليل قاطع في العموم، وحينئذ يجب تأويل ما ذكرت أيها الخصم من الدليل على عدم العموم؛ لأنه غير قاطع، وما ذكرناه قاطع، وإذا اجتمع القاطع وغيره، كان تقديم القاطع -ما لم يعارضه معارض- أولى" المصدر السابق ص٤٨٨.