فالإنشاء: محل النشيء وهو الظهور، يقال: نشأ ينشأ نشأ ونشوءًا: إذا بدا وظهر، ومنشأ الشيء: مظهره ومبدأه، وهو الموضع الذي يظهره. أما الحكمة: فهي الغاية المطلوبة من تشريع الحكم، كحفظ الأنفس والأموال بتشريع القصاص وقطع اليد. ومعنى ذلك: أن كون الوصف المناسب منشأ للحكمة المطلوبة من الحكم ليس شرطًا، بل المعتبر: ثبوت المصلحة عقيبه، وهو أعم من أن يكون منشأ لها أو لا. وهو رأي جمهور العلماء. وهذا يصدق على ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يكون الوصف منشأ للحكمة المطلوبة من الحكم، كقولنا: السفر منشأ المشقة المبيحة للترخص، والزنا منشأ المفسدة، وهي: تضييع الأنساب وإلحاق العار، وانتهاك الحرمات، فهذه الأوصاف ينشأ عنها الحكمة التي ثبتت هذه الأوصاف لأجلها. الصورة الثانية: أن يكون الوصف معرفًا للحكمة ودليلًا عليها، كقولنا: النكاح أو البيع الصادر ممن هو أهل لذلك يناسب الصحة، أي: يدل على الحاجة التي اقتضت جعل البيع سببًا لتحصيل الانتفاع بواسطة الصحة، كما أن النكاح سبب للاستمتاع بالزوجة. الصورة الثالثة: أن يظهر عند الوصف، ولم ينشأ عنه، ولم يدل عليه، كشكر النعمة المناسب للزيادة منها، فالشكر هو الوصف المناسب، وزيادة النعمة هي الحكمة، ووجوب الشكر هو الحُكم. انظر: شرح مختصر الروضة "٣/ ٣٨٦-٣٨٧".