للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديث آنفًا.

إلا أن الحديثَ أعلّه بعضُ العلماء بالوقفِ على سلمان الفارسي، وهو المحفوظ، فيحتمل أن سلمان أخذه من أهل الكتاب؛ لأنَّه كان نصرانيًا فأسلم.

ومضمونُ الحديثِ: أن هذين الرجلين مرّا على صنمٍ لا يتجاوزه أحدٌ حتى يقرب له شيئًا تعظيمًا له، فقيل للرجلين: قَرِّبا، فامتنع الأول، واعتذر الآخر بأنَّه ليس عنده ما يقربه، فهو موافقٌ على الذبح لهذا المعظم، فرضوا منه بأيسر شيء؛ لأنَّ قصدهم موافقتهم على ما هم عليه من الشرك، فقرَّب ذبابًا، ولو وجد بدنة لقربها، فلما قَرَّبَ الذبابَ استوجب دخول النار؛ لأنَّه قصد بهذا الذبحِ غيرَ الله، والعبرةُ بالنيةِ وعملِ القلب.

وقد اختلف أهل العلم في الحديث على رأيين:

الرأي الأول: من يرى ضعف الحديث، ويُعِلُّه بما سبق، ثم إنَّهم يستنكرونه بأن الرجل في الحديث لا يخلو حاله من أمرين:

١. أنَّه لما قدَّم الذبابَ للصنم إنما قدمه عبادة له وتعظيمًا، فهو في هذه الحالة لا يكون مسلمًا، بل هو مشرك.

٢. أنَّه فعل ذلك خوفًا من القتل، وهو في هذه الحالة لا تجب له النار، وحينها فالحكم عليه بأنَّه مسلم دخل النار في ذبابٍ يأباه قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ … ﴾، وقد نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر به ، فوافقهم على ذلك مكرهًا، وجاء معتذرًا إلى النبيّ (١).


(١) تفسير الطبري (١٧/ ٣٠٤). أخرجه الحاكم في المستدرك (٣٣٦٢)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٤٠)، والبيهقي في الكبرى (٨/ ٢٠٨)، من طريق محمد بن عمار بن ياسر به، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الحافظ في الدراية (٢/ ١٩٧): إسناده صحيح إن كان محمد بن عمار سمعه من أبيه.

<<  <   >  >>