للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

• ومثالُ ذلك: أنَّ الإنسان قد يُصاب بمرضٍ، فإنَّ الله لم يُرِد الضرَّ لذاته، وإنَّما أراد المرض لما فيه من الخير له أو لغيره، وقد تكون الحكمة عند المصاب ظاهرة، وقد لا تظهر.

وثالث الآيات: قوله تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ﴾ [العنكبوت، الآية (١٧)].

ومعنى الآية: أنَّ الله لما تكلم عمّن يعبدون الأصنام والأوثان وغيرها مما يعبدون من دون الله قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ﴾ [العنكبوت، الآية (١٧)]، فبين لهم أنَّ من يعبدون من دون الله لا يملكون لهم رزقًا ولا ضرًا ولا نفعًا، بل ولا يملكون كشف الضرّ ولا دفعه عن أنفسهم، فمن أين يطلب الرزق إذن؟ قال: ابتغوا واطلبوا الرزق من الله الرّزاق، وأخلصوا له العبادة وحده واشكروه على نعمه.

ومناسبة الآية للتوحيد: أنَّ فيها بيان أنَّه لا يطلب الرزق إلَّا من الله؛ لأنَّه القادر عليه، فمن طلبه من غيره فقد أشرك، ففيها وجوبُ إفرادِ الله بالدعاء والعبادة.

واعلم أن تقديم لفظ الجلالة على الرزق في الآية أبلغُ من تأخيره -كما لو قال فاطلبوا الرزق من عند الله- لأن التقديم يفيد الحصر، والمعنى: أنَّ الله هو الذي عنده الرزق لا غيرُه، فاطلبوه منه، ولو كانت كلمةُ الرزق مقدّمة لكان قد يُفهم منه أنَّ الرزق قد يكون من الله ومن غيره (١)


(١) فائدة: لماذا نكّر اللهُ الرزقَ ﴿لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾، ثم عرّفه فقال: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾؟
=أجاب الزمخشري عن هذا: «بأنَّه أراد لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئًا من الرزق، فابتغوا عند اللّه الرزق كله، فإنَّه هو الرزاق وحده لا يرزق غيره» الكشاف (٣/ ٤٤٧).
ومعنى هذا أنَّ الأولى نكرةٌ منفيةٌ، والمراد: أنَّهم لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئًا وإن قلّ، والثاني معرفة مثبتة، أي: الرزقُ كُلُّه من الله، فاطلبوه منه وحده.

<<  <   >  >>