للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ضرك ويكشفه إلّا الله، وإن يُرِدْ أن يصيبك بخيرٍ ونعمةٍ فلا أحدَ يقدر على منعِ رزقه.

فالله هو المتصرف في الكون وفي أمور خلقه، فلا يكشف الضُرَّ ويجلبُ الخيرَ إلا هو، وهذا يجعله لمن شاء من عباده بحكمته وعلمه وتوفيقه.

ومناسبة الآية للتوحيد: أنَّها دلَّت على أنَّه إذا كان لا يجلبُ النفعَ ولا يدفعُ الضرَّ إلَّا الله، فلا ينبغي أن يُصرَفَ الدعاءُ لغيرِ الله الذي يملك هذه الأمور، ومن طلبها من غيره فقد أشرك؛ إذ كيف يتوجه إلى المخلوق بالدعاء، وهو يعلم أنَّ الضر والنفع ليس بأيديهم، ولذا قال الحسن : ثلاث آياتٍ وجدتُها في كتاب الله اكتفيتُ بها عن جميع الخلائق، ومنها هذه الآية: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ (١).

وتأمل كيف فرّق الله في التعبير، فقال في الخير ﴿يُرِدْكَ﴾ وفي الشر ﴿يَمْسَسْكَ﴾

والفرق بينهما: أنَّ الأشياء المكروهة لا تنسب إلى إرادة الله، بل إلى فعله أي مفعوله، فالمسُّ هو من فِعل الله، لكن الضرّ من مفعولاته، أي: وقع بإثر ذلك، فالله لا يريد الضرّ لذاته، وإنما يريده لغيره، لما يترتب عليه من الحكم البالغة، ولذا قال النبيّ : «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» (٢).

أما الخير: فهو مرادٌ لذاته، وقريبٌ من هذا قوله: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾، وقريب منه قول الخضر: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ مع قوله: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾.


(١) أورده السيوطي في الدر المنثور (٣/ ٣٩٤) وعزاه إلى أبي الشيخ.
(٢) أخرجه مسلم (٧٧١) من حديث علي بن أبي طالب.

<<  <   >  >>