للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

له، ولا يجفون في حقه، بل يجمعوا بين الوصفين: عبد الله، ورسوله.

ومناسبة الحديث للباب: أنَّه ما أوقعَ النصارى فيما وقعوا فيه إلّا الغلو في عيسى ، ولذا حرص النبيّ على التحذير مما وقعوا فيه من الغلوّ حتى لا نضلَّ كما ضلّوا.

والعجيب أنَّ عُبّاد القبور ناقضوا هذا، واعتقدوا أنَّ من اكتفى بوصف النبيّ بأنَّه عبدُ الله، وأنَّه لا نفع بيده ولا ضرّ، فقد جفا في حقّه، وأنقص من قدره، ولذا فهم رفعوه فوق منزلته فَضَلّوا بذلك، كما هو مشهور في تعظيمهم لقبره وحلفهم به وتوسلهم به، بل ودعائهم إيّاه، وكم أفاض شعراء الصوفية في تعظيم النبيّ ، وذاك باعتقادهم قربة، وهو عين ما نهى عنه من الغلو فيه وإطرائه، وأمثل هنا بمثالين:

المثال الأول: محمد بن سعيد البوصيري (ت ٦٩٥ هـ) في الاسكندرية، وله قصيدة شهيرة يحفظها كثير من المتصوفة تسمى البردة، يقول في بعض أبياتها:

فإن لي ذمةً منه بتسميتي … محمدًا وهو أوفى الخلق بالذمم

إن لم يكن في معادي آخذًا بيدي … فضلًا فقل يا زلة القدم

يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به

وقال:

فإن من جودك الدنيا وضرتها … سواك عند حلول الحادث العَمِمِ

ومن علومك علم اللوح والقلم

إلى أن قال:

ما سامني الدهرُ ضيمًا واستجرتُ به … إلا ونلت جوارًا منه لم يُضم (١)


(١) انظر: الرد على البردة، للعلامة أبا بطين (ص ١٢).

<<  <   >  >>