للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاعتقاد، ولا يمنع بعد ذلك أن يجعل الله بمشيئته مخالطةَ الصحيحِ مَنْ به عيب أو مرضٌ سببًا للعدوى بتدبير الله وتقديره.

* وأما قوله: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» ونهيه أن يورَدَ مُمرِضٌ على مُصِحّ، ونهيه عن إتيان بلد الطاعون (١)؛ فيقال: إنَّ هذا كلّه من باب اجتناب الأسباب التي جعلها الله أسبابًا للهلاك والإصابة بالأذى، والعبدُ مأمورٌ باتقاء أسباب الشرِّ، كما أنَّه يُنهى أن يُلقِيَ نفسه في الماء أو في النار.

المسألة الرابعة: اعلم أنَّ المنهي عنه من التطير: ما أمضى وما ردّ، لا ما يقع في القلب، بل إذا كان ما تشاءم به ردّه عما يريد، أو ما تيامن به أمضاه إلى ما يريد، فهو التطير المحرم، وقد روى عكرمة: «أنَّهم كانوا عند ابن عمرو وعنده ابن عباس، فمر غراب يصيح (٢)، فقال رجلٌ من القوم: خير، خير، فقال ابن عباس: لا خير ولا شر» (٣)، أي: ليس لهذه الأمور ارتباط بأي حادث، لا خيرَ ولا شرَّ.

• وعلى هذا: فضابط الطيرة التي تكون شركًا: أن تَرُدَّ المتطيّر عن حاجته، لقوله : «إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ»، فما دامت لم تردّ الإنسان، فلا اعتبار بما وقع في قلبه.


(١) أخرجه البخاري (٥٧٢٨) من طريق إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، يُحَدِّثُ سَعْدًا، عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا».
(٢) وخص الغراب غالبًا بالتشاؤم منه؛ أخذًا من الاغتراب، حيث قالوا: غراب البين؛ لأنه بان عن نوح لما وجّهه لينظر إلى الماء، فذهب ولم يرجع؛ ولذا تشاءموا منه واستخرجوا من اسمه الغربة. انظر: كشف الخفا (١/ ٤٤٧).
(٣) أخرجه الدينوري في المجالسة (٩٣٧)، وانظر: التمهيد، لابن عبد البر (٢٢/ ٦٣٠).

<<  <   >  >>