للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه توعُّدُ من تَعامُلُه لا يتم إلّا بالحلف، فهو لا يشتري ولا يبيع ولا يتعامل إلّا بحلف، وإنما ذُمَّ هذا لأنَّه لا يخلو -كما سبق- من حالين:

أ- أن يكون كاذبًا: فلكذبه وأكل أموال الناس بالباطل واستخفافه باليمين.

ب- أن يكون صادقًا: فلأنَّ كثرة الحلف تُشعِرُ -كما سبق- باستخفافه بالله.

ولأنَّه إذا تعوّد كثرة الحلف في الدنيا -ولو صادقًا- ربما استمرأ فحلف كاذبًا.

وإنما ذُكِرَ هؤلاء الثلاثةُ في الحديث؛ لأنَّ داعي المعصية في حقِّهم ضعيفٌ، ومع هذا فعلوها، فاستحقوا تغليظ العقوبة.

٤) حديث عمران بن حصين وفيه: «ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ اَلسِّمَنُ».

والشاهد فيه: أنَّ القرون المفضولة -وهي التي بعد القرون الثلاثة- يكون فيهم من يستخفُّ بالشهادة، والشهادة يقترن بها الحلف غالبًا.

أو يقال: بأنَّ من سِمات هؤلاء استخفافهم بأوامر الشرع، ولذا فهم يستخفون بالشهادة وبالأمانة وبالنذر، وقد يدخل في ذلك الحلف، ولذلك في حديث ابن مسعود بعده قوله: «ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ»، فيخفُّ أمرُ اليمينِ والشهادةِ عندهم تحملًا وأداءً، لقلّة خوفهم من الله، وعدم مبالاتهم بذلك.

فإن قيل: كيف يجمع بين قوله: «يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» وبين قوله «خَيْرُ الشُّهَدَاءِ مَنْ أَدَّى شَهَادَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا؟» (١).


(١) أخرجه الترمذي (٢٢٩٧)، وابن ماجه (٢٣٦٤)، وأحمد (٥/ ١٩٣)، والبزار (٣٧٧٨)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (٢٥٥١)، والطبراني في الكبير (٥/ ٢٣٢)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٣٢٧٧).

<<  <   >  >>