القلب كما قررّ ذلك ابن تيمية، وهذا ناشئ من ضعف تعظيم الله في القلب، إذ لو عظّم اللهَ لما عصاه، ولذا فبقدر تعظيم العبد لربّه تكون طاعته له، وقد أخبر الله أنَّ العلماء هم الذين يخشونه فقال (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، والمراد بهم العلماء به وبأوامره، حينما عرفوه عظموه فلم يعصوه.
إذا عرفت هذا، فإنَّ من أتى بهذه الأمور، فهو محققٌ للتوحيد.
وبعض أهل العلم يزيد أمرًا في تحقيق التوحيد، وهو أمرٌ يتفاضل فيه الناس، وهو أن يكون القلب متوجهًا إلى الله بكُلِّيته، ليس فيه التفاتٌ إلى غير الله، وهذه منزلةٌ يصل لها من كان عَمله وقوله، ونطقه وسكوته، وسائر أعماله يبغي بها الله سبحانه، وليس في قلبه التفاتٌ طرفةَ عينٍ إلى غيره ﷻ.
المسألة الثانية: ذكر المصنّفُ في البابِ مُستدلًا على ما بوبّ عليه قولَه تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل، الآية (١٢٠)]. وهي في الثناء على إبراهيم ﵈، حيث وُصِف بأنَّه كان أمّة، وأنَّه قانت، وأنَّه حنيف، وأنَّه لم يكن من المشركين.
* فأما كونه أمّةً: فالمعنى أنَّه كان قدوةً وإمامًا معلمًا للخير، فهو إمامٌ متبوع، وهو أمّةٌ في رجلٍ؛ لأنَّه حقق التوحيد.
* وأما كونه قانتًا: فالقانت هو الخاشع المطيع المداوم على الطاعة لا يفتر عنها.
* وأما كونه حنيفًا: فالحنيفُ قيل هو المائل عن الشرك.
وقال ابن القيم: «هو المقبل إلى الله المعرض عما سواه، ومَن فسره بالمائل (١)
(١) كالزجاج في معاني القرآن (٣/ ٢٢٢)، وابن فورك في تفسيره (٣/ ٢٥٥)، والقشيري في لطائف الإشارات (٥١٥).