للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلم يفسره بنفس موضوع اللفظ، وإنما فسّره بلازم المعنى، فإنّ الحَنف: هو الإقبال، ومن أقبل على شيء مال عن غيره» (١).

وإبراهيم هو إمام الحنفاء، ودينه الحنيفيّة؛ لأنَّه حنف ومال عن الأديان وعبادة الأوثان إلى دين الله وحده، وحكى الله في القرآن قوله: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا﴾ [الأنعام، الآية (٧٩)].

وأما كونه لم يكن من المشركين: فهي توكيد لما سبق قبلها، فإبراهيم لم يكن من المشركين، بل هو موحّدٌ خالصٌ من شوائب الشرك، وقد خالف المشركينَ وفارقهم بقوله وفعله وبدنه، حيث إنَّه أنكر على قومه شِركَهُم، وحين أبوا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله، وقال: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ [الزخرف، الآية (٢٦)]، فتبرأ من العابد قبل المعبود، وهذه حقيقة التوحيد: (أن تتبرأ من كل معبود دون الله، وكلِ من عبد مع الله غيره) وإبراهيم حين بعثه الله كان الناسُ على الشرك والوثنية بعيدين عن عبادة الله وإفراده بالعبادة، فاجتهد في دعوتهم بكل الوسائل، ومع ذلك اجتمعوا على حربه وأذيته، فصبر على ذلك، فضاقوا به ذرعًا، فألقوه في النار، فنجَّاه الله من كيدهم، ثم هاجر عن بلادهم، فهيأ الله له من يستجيب لدعوته.

والمقصود من الآية: أنَّ الله تعالى وصف إبراهيمَ خليله بهذه الصفات الجليلة، التي هي أعلى درجاتِ تحقيق التوحيد، وقد رغبنا في الاقتداء والتأسي به، كما قال: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الممتحنة، الآية (٤)]. فمن اقتدى به وحققّ التوحيد، فإنَّه يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب.


(١) جلاء الأفهام (ص ٢٦٩).

<<  <   >  >>