لمّا تكلم عن الدعوة إلى التوحيد وشهادة أن لا إله إلّا الله وفضيلتها، وبيّن أنَّ الداعي إليها لابدّ أن يكون على بصيرةٍ، ناسب أن يبيّن في هذا الباب المرادَ بالتوحيد، ومعنى لا إله إلّا الله التي يدعون إليها، وَمِنْ حسن صنيع المؤلف أن أخره بعد بيان فضل التوحيد وما بعده من الأبواب؛ لأنَّ النفوس كأنَّها اشتاقت إلى معرفة هذا الأمر الذي خُلِقوا لأجله وهو التوحيد.
والفرق بين هذا الباب، وبين الباب الأول الذي فيه معنى لا إله إلّا الله: أن هذا الباب فيه مزيد بيانٍ لمعنى لا إله إلّا الله، وما دلّت عليه من توحيد العبادة بالذات، وما ذكره في الباب الأوّل كان مُجمَلًا، ولا يكفي لاستمرار الدعوة إلى التوحيد، فذكر في هذا الباب معنى لا إله إلّا الله على التفصيل، والحجةَ على من تعلق بالأولياء والصالحين.
المسألة الثانية: ما هو تفسير التوحيد؟
* قال السعدي ﵀: «حقيقةُ تفسيرِ التوحيدِ العلمُ والاعترافُ بتفرد الربِّ بجميع صفات الكمال، وإخلاص العبادة له، وذلك يرجع إلى أمرين:
١ - نفي الألوهية كلها عن غير الله: بأن يعتقد أنَّه لا يستحق الإلهية ولا شيئًا من العبودية أحدٌ من الخلق، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا غيرهما، وأنَّه ليس لأحدٍ من الخلق في ذلك حظٌ ولا نصيب.
٢ - إثبات الألوهية لله وحده لا شريك له: وتفرده بمعاني الألوهية كلها وهي نعوت الكمال كلها، ولا يكفي هذا الاعتقاد وحده حتى يحققه العبد، بإخلاص