عصى ربه
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: مَا لي لَا أرى مَعَك زادا ولاماء قَالَ الْفَتى: زادي التَّقْوَى وطعامي الْحَشِيش وشرابي من عُيُون الْجبَال قَالَ إِبْلِيس: أَلا آمُرك بِأَمْر يرشدك قَالَ: مر بِهِ نَفسك فَإِنِّي على رشاد إِن شَاءَ الله
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: مَا أَرَاك تقبل نصيحة قَالَ لَهُ الْفَتى: الناصح لنَفسِهِ من أطَاع سَيّده وَأدّى الْحق الَّذِي عَلَيْهِ فَإِن كنت شَيْطَانا فأعوذ بِاللَّه مِنْك وَإِن كنت آدَمِيًّا فَاخْرُج فَلَا حَاجَة لي فِي صحابتك
فجمد إِبْلِيس عِنْد ذَلِك ثَلَاث سَاعَات مَكَانَهُ وَلَو ركبهَا لَهُ إِبْلِيس مَا كَانَ الْفَتى يقدر عَلَيْهَا وَلَكِن الله حَبسه عَنْهَا
فَبَيْنَمَا الْفَتى يمشي إِذْ طَار طَائِر من بَين يَدَيْهِ فاختلس الْبَقَرَة ودعاها الْفَتى وَقَالَ: بإله إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل واسحق وَيَعْقُوب إِلَّا مَا أتيتني فَأَتَت الْبَقَرَة إِلَيْهِ وَقَامَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَت: يَا أَيهَا الْفَتى ألم تَرَ إِلَى ذَلِك الطَّائِر الَّذِي طَار من بَين يَديك فَإِنَّهُ إِبْلِيس عَدو الله اختلسني فَلَمَّا ناديتني بإله إِسْرَائِيل جَاءَ ملك من الْمَلَائِكَة فانتزعني مِنْهُ فردني إِلَيْك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك فَانْطَلق فلست ببارحتك حَتَّى تَأتي أهلك إِن شَاءَ الله
قَالَ: فَدخل الْفَتى إِلَى أمه يخبرها الْخَبَر فَقَالَت: يَا بني إِنِّي أَرَاك تحتطب على ظهرك اللَّيْل والنَّهَار فتشخص فَاذْهَبْ بِهَذِهِ الْبَقَرَة فبعها وَخذ ثمنهَا فتقوّ بِهِ وودع بِهِ نَفسك
قَالَ الْفَتى: بكم أبيعها قَالَت: بِثَلَاثَة دَنَانِير على رضَا مني
فَانْطَلق الْفَتى إِلَى السُّوق فَبعث الله إِلَيْهِ ملكا من الْمَلَائِكَة ليري خلقه قدرته فَقَالَ للفتى: بكم تبيع هَذِه الْبَقَرَة أَيهَا الْفَتى فَقَالَ: أبيعها بِثَلَاثَة دَنَانِير على رضَا من والدتي
قَالَ: لَك سِتَّة دَنَانِير وَلَا تستأمر والدتك
فَقَالَ: لَو أَعْطَيْتنِي زنتها لم أبعها حَتَّى أستأمرها فَخرج الْفَتى فَأخْبر والدته الْخَبَر فَقَالَت: بعها بِسِتَّة دَنَانِير على رضَا مني
فَانْطَلق الْفَتى وَأَتَاهُ الْملك فَقَالَ: مَا فعلت فَقَالَ: أبيعها بِسِتَّة دَنَانِير على رضَا من والدتي
قَالَ: فَخذ اثْنَي عشر دِينَارا وَلَا تستأمرها
قَالَ: لَا
فَانْطَلق الْفَتى إِلَى أمه فَقَالَت: يَا بني إِن الَّذِي يَأْتِيك ملك من الْمَلَائِكَة فِي صُورَة آدَمِيّ فَإِذا أَتَاك فَقل لَهُ: إِن والدتي تقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَتقول: بكم تَأْمُرنِي أَن أبيع هَذِه الْبَقَرَة قَالَ لَهُ الْملك: يَا أَيهَا الْفَتى يَشْتَرِي بقرتك هَذِه مُوسَى بن عمرَان لقتيل يقتل من بني إِسْرَائِيل وَله مَال كثير وَلم يتْرك أَبوهُ ولدا غَيره وَله أَخ لَهُ بنُون كَثِيرُونَ فَيَقُولُونَ كَيفَ لنا أَن نقْتل هَذَا الْغُلَام ونأخذ مَاله فدعوا الْغُلَام إِلَى منزلهم