للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مخافة أن يصيبها ما أصاب عادا وثمودا من معاريض البلاء ودواعي الشقاء، فلما كثرت قحطان وضاق فجاجها ساق بعضهم بعضا، وانتجعوا أرضا أرضا، وأقامت بنو عمرو بن خالد بن جذيمة، ثم إن قيس بن معاوية وإياد بن نزار ساروا إليهم فساقوهم السمام، وأوردوهم الحمام، فأجلوهم عناء، فتوجهوا منها إلى ضواحي اليمن.

والتمست إياد الناصف لما أصابوا من المغنم فأبت قيس عليهم، وكانت قيس أكثر من إياد عددا، وأوسع منهم بلدا، فرحلت إياد إلى العراق، وأقامت قيس ببطن وجّ ليست لهم سائبة يأكلون ملاّحها (١) ويرعون سراحها، ويحتطبون طلاحها، ويأبرون نخلها، ويأرون (٢) نجلها، سهلها وجبلها، حتى أوقدت الحرب في هبواتها، وخاضوا الأصابي (٣) في غمراتها، وأخرجوهم من سرواتها، وأناخوا على إياد بالكلكل، وسقوهم بصبير النّيطل (٤)، حتى خلا لهم خيارها وحزونها، وظهورها وبطونها، وقطورها وعيونها، فقال رسول الله «إن نعيم الدنيا أقل وأصغر عند الله من خرء بعيضة، ولو عدلت عند الله جناح ذباب لم يكن لمسلم بها لحاق


(١) يأكلون ملاّحها: الملاح ضرب من البنات. ويرعون سراجها: سراحها جمع سرحة أو سرح، والسرح: السهل ويقال للناقة سرح أيضا (النهاية في غريب الحديث ٣٥٨:٢، ٣٥٥:٤).
(٢) يأرون نجلها: الأرن النشاط. والنجل: النز الذي يخرج من الأرض والوادي.
وكأن المعنى ينشّطون مسائل الماء في الوديان والجبال (اللسان وتاج العروس - ارن - نجل)
(٣) صاب رمحه: إذا صدر سنانه للأرض للطعن به (اللسان «صبا»).
(٤) وسقوهم بصبير النيطل: أي بسحاب الموت والهلاك.
الصبير: سحاب أبيض متراكب متكائف.
النيطل: الموت والهلاك (النهاية في غريب الحديث ٩:٣، ٧٦:٥، أقرب الموارد ١٣١٥:٢).