للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كفارة، فلو أوجبنا عليه كفارة لسقط جرمه، ولقي الله وهو عنه راض، ولم يستحق الوعيد المتوعد عليه، وكيف لا يكون ذلك وقد جمع هذا الحالف الكذب، واستحلال مال الغير، والاستخفاف باليمين بالله تعالى، والتهاون بها وتعظيم الدنيا؟ ولهذا قيل: إنما سميت اليمين الغموس غموسًا لأنها تغمس صاحبها في النار (١).

واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:

١ ـ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ} .. الآية [المائدة: ٨٩] وهذا عام في الماضي والمستقبل.

٢ ـ قوله الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٥]، واليمين الغموس مقصودة منوية.

ولأنها مكتسبة بالقلب، معقودة بخبر، مقرونة باسم الله تعالى، وفيها الكفارة (٢).

٣ ـ وبالقياس على يمين الطلاق، فلو حلف بالطلاق لقد دخل الدار ولم يدخلها لزمه الطلاق، وهو أمر يتعلق بالماضي لا المستقبل.

٤ ـ ولأنها يمين بالله تعالى قصدها مختاراً فوجب إذا خالفها بفعله أن تلزمه الكفارة كالمستقبل (٣).

والراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول أنَّ اليمين الغموس لا كفارة فيها؛ لقوة أدلتهم.


(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٦/ ٢٦٨).
(٢) البيان للعمراني (١٠/ ٤٨٨)، المجموع (١٨/ ١٣).
(٣) الحاوي (١٥/ ٢٦٨).

<<  <   >  >>