الفصل الثاني: في ذكر السبب الباعث على وضع هذا الكتاب، وهو ضربان: كلي، وجزئي.
أما الكلي: فهو أن المسلمين منذ ظهر الإسلام يستفيدون أصول دينهم وفروعه من كتاب ربهم، وسنة نبيهم، واستنباطات علمائهم، حتى نشأ في آخرهم قوم عدلوا في ذلك عن الكتاب والسّنّة إلى محض القضايا العقلية، ومازجين لها بالشبه الفلسفية، والمغالطات السوفسطائية، واستمر ذلك حتى صار في أصول الدين كالحقيقة العرفية، ولا يعرف عند الإطلاق غيره، ولا يعد كلاما في أصول الدين سواه، فجاء ضعفاء العلم بعدهم، فوجدوا كلاما فلسفيا، ليس من الدين في شيء، مع أن أئمة الدين ومشايخهم نهوا عنه مثله، وشددوا النكير على من تعاطاه، فضاعت أصول الدين عليهم؛ وضلت عنهم، إذ لم يعلموا لهم أصول دين [غيره لغلبته] عرفا.
وإنما عدل المتأخرون في أصول الدين عن اعتبار الكتاب والسّنّة، إما لجهلهم باستنباطها منها، أو ظنا أن أدلة السمع فرع على العقل، فلا يستدل بالفرع مع وجود الأصل كشاهد الفرع مع شاهد الأصل، أو زعما منهم أن الكتاب غالبه الظواهر، والسّنّة غالبها الآحاد.
ومثل ذلك لا يصلح مستندا في المطالب القطعية الدينية أو لأن خصومهم من الفلاسفة والزنادقة ونحوهم لا يقولون بالشرائع، ولا يرون السمعيات حجة، فلا يجدي الاحتجاج عليهم بها، أو لغير ذلك من الخواطر والأوهام/ [٣ أ/م].
وأما السبب الجزئي: فإني رأيت بعض الناس قد كتب مسائل يسأل عنها بعض أهل العلم، منها هذا السؤال وهو: أن الناس هل لهم أصول دين أم لا؟ فإن لم يكن لهم أصول دين فكيف يكون دين لا أصل له؟ وإن كان لهم أصول/ [٣/ل] دين، فهل هي هذه الموجودة بين الناس ككتب الإمام فخر الدين بن الخطيب (١) وأتباعه ونحوها؟ أم غيرها؟ وكيف ذم أئمة الشرع الاشتغال بأصول الدين مع أنه لا بد للدين من أصول يعتمد عليها؟
ولو علم هؤلاء الملبوس عليهم أن أصول الدين الحقيقية التي هي أحد فروض الكفايات في طي الكتاب على أبلغ تقرير وأحسن تحرير، بحيث لا يستطيع الزيادة عليها متكلم ولا فيلسوف، وحتى إن المسلمين إنما استفادوا طرقهم الكلامية أو أكثرها منهما، لما قالوا ذلك.
ونحن نجيب عن هذا السؤال المذكور على جهة الفتيا والاختصار؛ لئلا تبقى شبهة في