{إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(٣)[الزخرف: ٣] يحتج به جمهور من قال بخلق القرآن؛ لأن كل مجعول مخلوق، وقد سبق وجوابه.
{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ}(٥)[الزخرف: ٥] يحتج به على بطلان فساد الوضع في الأقيسة، وهو ترتيب خلاف مقتضى العلة عليها.
وتقريره/ [١٨٢ أ/م] أنه-عز وجل-أنكر ترتيب الإضراب والصفح عنهم على إسرافهم، كأنه قال: إسرافكم يناسب أخذكم وتعذيبكم لا الإضراب والصفح عنكم، وكذلك قوله عز وجل:{ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النّارِ هُمْ خالِدُونَ}(١٧)[التوبة: ١٧] أي: إن شركهم وشهادتهم على أنفسهم بالكفر لا يناسب عمارتهم للمسجد؛ لأنهم رجس، وإنما يناسب مجانبتهم المسجد تنزيها له عن رجسهم ونجسهم، وكذلك لما قال / [٣٧٧ ل] فرعون لموسى {قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}(١٨)[الشعراء: ١٨] قال له موسى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ}(٢٢)[الشعراء: ٢٢] أي: استعبدتهم، واتخذتهم عبيدا، وإنما ربيتني ولدا حين اتخذت قومي عبيدا، فامتنانك عليّ بذلك غير مناسب، وإنما المناسب أن تعتذر إليّ من ذلك.
ومثاله المشهور بين الأصوليين أن يقول الشافعي: لفظ الهبة ينعقد به غير النكاح، فلا ينعقد به النكاح كالبيع، فيقول الحنفي: هذا فاسد الوضع أو الاعتبار، إذ انعقاد غير النكاح به يدل على قوته وتأثيره في العقود وتصرفه فيها، فقد رتبت على العلة نقيض مقتضاها.
{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ}(١١)[الزخرف: ١١]، فيه الاستدلال على البعث بقياس إحياء الأرض كما عرف في مواضع.
{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ}(١٢)[الزخرف: ١٢] فيه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه؛ لأن ركوب الفلك مجاز، وركوب الأنعام حقيقة؛ لمبادرة الفهم إليه عند الإطلاق.