[١٦/ل] يتمسك به القدرية على عكس تمسكهم ب {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضّالِّينَ}(٧)[الفاتحة: ٧] وهو أنه نسب التقوى والإيمان إليهم نسبة الفعل إلى الفاعل/ [٨ ب/م] فاقتضى أن لا جبر.
ويجاب عنه بنحو ما سبق؛ من أنه أضيف إليهم؛ لأنه كسبهم، أو هم محل ظهوره، أو لأنه لو فوض إليهم لفعلوه، على ما سبق في قاعدته، وهذا سؤال وجواب عامان في كل فعل نسب إلى المخلوقين، فاعرفه فتكراره في كل مواطنه يصعب، وربما حادثناك به المرة بعد المرة تذكرة بهذه القاعدة.
قوله-عز وجل- {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}(٣)[البقرة: ٣] هذه من مسائل الأرزاق والآجال، وهو تابع لباب القدر.
واحتج بها المعتزلة على أن الحرام ليس من رزق الله-عز وجل-بل العبد يرزقه نفسه.
وتقريره: أن المنفق من رزق الله عز وجل-ممدوح بهذه الآية، والمنفق من الحرام ليس بممدوح بالإجماع؛ ولأن الحرام لا يملك، فالمنفق منه فضولي في إنفاقه، والفضولي مذموم؛ ينتج أن المنفق من رزق الله ليس بمنفق من الحرام، وينعكس كليا أو جزئيا: المنفق من الحرام ليس بمنفق من رزق الله عز وجل وهو يستلزم المطلوب.
ويمكن تقريره بأبين من هذا؛ وهو أن المنفق من الحرام: إما ممدوح، وهو خلاف الإجماع، أو مذموم؛ فهو غير منفق من رزق الله-عز وجل-إذ هذا ممدوح وذاك مذموم؛ فهذا غير ذاك.
والجواب: أن المنفق من الحرام مذموم من جهة اكتساب الحرام، ممدوح من جهة الإنفاق والبذل، وحينئذ إن أردتم أنه ليس بممدوح من جهة كسب الحرام، سلمناه ولكن لا ينتج قياسكم لعدم اتحاد الأوسط فيه، وإن أردتم أنه ليس بممدوح من جهة الإنفاق، منعنا ذلك؛ فلا يتم دليلكم. وأما كونه فضوليا مذموما، فإنما ذلك من جهة تصرفه في ملك الغير بالإنفاق، لا من جهة نفس الإنفاق.